تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٢ - الصفحة ٢٠٣
أخبروني كأنه قيل: أخبروني عن شركائكم أروني أي جزء خلقوا من الأرض حتى يستحقوا الإلهية والشركة.
وجوز أن يكون بدل كل، وقال أبو حيان: لا تجوز البدلية لأنه إذا بدل مما دخل عليه الاستفهام فلا بد من دخول الاداة على البدل، وأيضا إبدال الجملة من الجملة لم يعهد في لسانهم ثم البدل على نية تكرار العامل ولا يتأنى ذلك ههنا لأنه لا عامل لا رأيتم ثم قال: والذي أذهب إليه أن * (أرأيتم) * بمعنى أخبروني وهي تطلب مفعولين أحدهما منصوب والآخر مشتمل على الاستفهام كقول العرب أرأيت زيدا ما صنع فالأول هنا * (شركاؤكم) * والثاني * (ماذا خلقوا) * و * (أروني) * جملة اعتراضية فيها تأكيد للكلام وتسديد، ويحتمل أن يكون ذلك أيضا من باب الأعمال لأنه توارد على * (ماذا خلقوا) * أرأيتم. وأروني لأن أروني قد تعلق عن مفعولها الثاني كما علقت رأي التي لم تدخل عليها همزة النقل عن مفعولها في قولهم. أما ترى أي برق ههنا ويكون قد اعمل الثاني على المختار عند البصريين انتهى، وما ذكره احتمال في الآية الكريمة كما أن ما ذكر أولا احتمال وما قاله في رده ليس بشيء، أما الأول فلأن لزوم دخول الاداة على البدل فيما إذا كان الاستفهام باق على معناه أما إذا نسخ عنه كام هنا فليس ذلك بلازم، وأما الثاني فلأن أهل العربية والمعاني نصوا على خلافه وقد ورد في كلام العرب كقوله: أقول له ارحل لا تقيمن عندنا * وإلا فكن في السر والجهر مسلما وأما الثالث فلأن كون البدل على نية تكرار العامل إنما هو كما نقل الخفاجي عنهم في بدل المفردات.
وليس لك أن تقول العامل هنا موجود وهو * (قل) * لأن العبرة بالمقول ولا عامل فيه إذ يقال وهو ظاهر، وجوز أن لا يكون * (أرأيتم) * بمعنى أخبروني بل المراد حقيقة الاستفهام عن الرؤية وأروني أمر تعجزي للتبيين أي أعلمتم هذه التي تدعونها ما هي وعلى ما هي عليه من العجز أو تتوهمون فيها قدرة فإن كنتم تتعلمونها عاجرة فكيف تعبدونها أو كنتم توهمتم فيها قدرة فأروني أثرها، وما تقدم أظهر * (أم لهم شرك في السموات) * أي بل ألهم شركة مع الله عز وجل في خلق السماوات حتى يستحقوا ما زعمتم فيهم، وقال بعضهم: الأولى أن لا يقدر مضاف على أن المعنى أم لهم شركة معه سبحانه في السماوات خلقا وإبقاء وتصرفا لأن المقصود نفي آيات الإلهية عن الشركاء وليست محصورة في الخلق والتقدير أوفق بما قبله، والكلام قيل من باب التدرج من الاستقلال إلى إلى الشركة ثم منها إلى حجة وبينة مكتوبة بالشركة كأنه قيل: أخبروني عن الذين تدعون من دون الله هل استبدوا بخلق شيء من الأرض حتى يكونوا معبودين مثل الله تعالى بل ألهم شركة معه سبحانه في خلق السماوات * (أم آتيناهم كتابا) * أي بل آتيناهم كتابا ينطق بأنا اتخذناهم شركاء * (فهم على بينت منه) * أي حجة ظاهرة من ذلك الكتاب بأن لهم شركة معنا.
وقال في الكشف. الظاهر أن الكلام مبني على الترقي في إثبات الشركة لأن الاستبداد بخلق جزء من الأرض شركة ما معه عز وجل والاشتراك معه سبحانه في خلق السماوات أدل على إثباتها ثم إيتاء كتاب منه تعالى على أنهم شركاؤه أدل وأدل، وقيل: هم في * (آتيناهم) * للمشركين وكذا في - فنهم - كما في قوله تعالى: * (أم أنزلنا عليهم سلطانا) * (الروم: 35) الخ ففي الكلام التفات من ضمير الخطاب إلى ضمير الغيبة إعراضا عن المشركين وتنزيلا لهم منزلة الغيب.
والمعنى أن عبادة هؤلاء إما بالعقل ولا عقل يحكم بصحة عبادة من لا يخلق جزأ ما من الأرض دلالة شرك في السماء وإما بالنقل ولم نؤت المشركين كتابا فيه الأمر بعبادة هؤلاء، وفيه تفكيك للضمائر، وقال بعضهم: ضمير
(٢٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 198 199 200 201 202 203 204 205 206 207 208 ... » »»