تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٢ - الصفحة ٢٠٨
وأكثفها * (ثم من نطفة) * وفيها نوع ما من اللطافة * (ثم جعلكم أزواجا) * (فاطر: 11) إشارة إلى ما حصل لهم من ازدواج الروح اللطيف العلوي والقالب الكثيف السفلى وهو مبدأ استعداد الوقوف على عوالم الغيب والشهادة * (وما يستوي البحران) * قيل أي بحر العلم الوهبي وبحر العلم الكسبي * (هذا) * أي بحر العلم الوهبي * (عذب فرات سائغ شرابه) * لخلوه عن عوارض الشكوك والأوهام * (وهذا) * أي بحر العلم الكسبي * (ملج أجاج) * لما فيه من مشقة الفكر ومرارة الكسب وعروض الشكوك والتردد والاضطراب * (ومن كل تأكلون لحما طريا) * إشارات لطيفة تتغذون بها وتتقون على الأعمال * (وستخرجون حلية تلبسونها) * وهي الأخلاق الفاضلة والآداب الجميلة والأحوال المستحسنة التي تكسب صاحبها زينة * (وترى الفلك) * سفن الشريعة والطريقة * (فيه مواخر) * جارية * (لتبتغوا من فضله) * (فاطر: 12) بالوصول إلى حضرته عز وجل فعل ذلك * (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله) * في سائر شؤونكم، ومراتب الفقر متغاوتة وكلما ازداد الإنسان قربا منه عز وجل ازداد فقره إليه لازدياد المحبة حينئذ وكلما زاد العشق زاد فقر العاشق إلى المعشوق حتى يفني * (والله هو الغني الحميد) * (فاطر: 15) فيه من البشارة ما فيه * (إنما يخشى الله من عباده العلماء) * (فاطر: 28) أي العلماء به تعالى وبشؤونه فهم كلما ازدادوا علما ازدادوا خشية لما يظهر لهم من عظمته عز وجل وأنهم بالنسبة إليه تعالى شأنه لا شيء * (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله) * (فاطر: 32) قيل: الظالم لنفسه السالك والمقتصد السالك المجذوب والسابق المجذوب السالك، والسالك هو المتقرب والمجذوب هو المقرب والمجذوب السالك هو المستهلك في كمالات القرب الفاني عن نفسه الباقي بربه عز وجل * (وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن) * حزن تخيل الهجر فلا حزن للعاشق أعظم من حزن تخيل هجر معشوقه له وجفوته إياه * (إن ربنا لغفور شكور) * (فاطر: 34) فلا بدع إذا أذهب عنا ذلك وآمننا من القطيعة والهجران * (الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا بمسنا فيها نصب) * هو نصب الأبدان وتعبها من أعمال الطاعة للتقرب إليه سبحانه * (ولا يسمنا فيها لغوب) * (فاطر: 35) هو لغوب القلوب واضطرابها من تخيل القطيعة والرد وهجر الحبيب، وقيل: لا يسمنا فيها نصب السعي في تحصيل أي أمر اردناه ولا يمسنا فيها لغوب تخيل ذهاب أي مطلوب حصلناه، وقد أشاروا إلى أن كل ذلك من فضل الله تاعلى والله عز وجل ذو الفضل العظيم، هذا ونسأل الله تعالى من فضله الحلو ما تنشق منه مرارة الحسود وينفطر به قلب كل عدو وينتعش فؤاد كل محب ودود.
سورة يس صح من حديث الإمام أحمد. وأبي داود. والنسائي. وابن ماجه. والطبراني. وغيرهم من معقل بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (يس) قلب القرآن وعد ذلك أحد أسمائها، وبين حجة الإسلام الغزالي عليه الرحمة وجه إطلاق ذلك عليها بأن المدار على الإيمان وصحته بالاعتراف بالحسر والنشر وهو مقرر فيها على أبلغ وجه وأحسنه ولذا شبهت بالقلب الذي به صحة البدن وقوامه واستحسنه الإمام الرازي، وأورد على ظاهره أن كل ما يجب الإيمان به لا يصح الإيمان بدونه فلا وجه لاختصاص الحشر والنشر بذلك. وأجيب بأن المراد بالصحة في كلام الحجة ما يقابل السقم والمرض ولا شك أن من صح إيمانه بالحسر يخاف من النار ويرغب في الجنة دار الأبرار فيرتدع عن المعاصي التي هي كاسقام الإيمان إذ بها يختل ويضعف ويشتغل بالطاعات التي هي
(٢٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 ... » »»