أن طوق الغل الذي في عنق المغلول يكون في ملتقى طرفيه تحت الذقن حلقة فيها رأس العمود نادرا من الحلقة إلى الذقن فلا يخليه يطأطىء ويوطىء قذاله فلا يزال مقمحا لا سيما إذا كان الغل عظيما، وقال ابن عطية: إن الأغلال عريضة تبلغ بحروفها الأذقان أي فيحصل القمح، وكلام ابن الأثير يشعر أن القمح لضيق الغل، وإن أريد جعلنا في كل من أعناقهم أغلالا كان أمر القمح أظهر وأظهر، وقال البغوي. والطبري. والزجاج. والطبرسي: ضمير هي للأيدي وإن لم يتقدم لها ذكر لوضوح مكانها من المعنى لأن الغل يتضمن العنق واليد ولذلك سمي جامعة وما يكون في العنق وحده أو في اليد وحدها لا يسمى غلا فمتى ذكر مع العنق فاليد مرادة أيضا ومتى ذكر مع اليد كما في قراءة ابن عباس * (في أيديهم أغلالا) * وفي قراءة ابن مسعود * (في أيمانهم أغلالا) * فالعنق مراد أيضا، وهذا ضرب من الإيجاز والاختصار ونظير ذلك قول الشاعر: وما أدري إذا يممت أرضا * أريد الخير أيهما يليني أألخير الذي أنا أبتغيه * أم الشر الذي لا يأتليني حيث ذكر الخير وحده وقال أيهما أي الخير والشر، وقد علم أن الخير والشر يعرضان للإنسان، واختار الزمخشري ما تقدم ثم قال: والدليل عليه قوله تعالى: * (فهم مقمحون) * ألا ترى كيف جعل الإقماح نتيجة * (فهي إلى الأذقان) * ولو كان الضمير للأيدي لم يكن معنى التسبب في الأقماح ظاهرا على أن هذا الإضمار فيه ضرب من التعسف، وترك الظاهر الذي يدعوه المعنى إلى نفسه إلى الباطن الذي يجفو عنه ترك للحق الأبلج إلى الباطل اللجلج اه، وصاحب الانتصاف أراد الانتصار للجماعة فقال: يحتمل أن يكون الفاء في * (فهم مقمحون) * للتعقيب كسابقه أو للتسبب فإن ضغط اليد مع العنق يوجب الإقماح لأن اليد تبقى ممسكة بالغل تحت الذقن رافعة لها ولأن اليد إذا كانت مطلقة كانت راحة للمغلول فربما يتحيل بها على فكاك الغل فيكون منبها على انسداد باب الحيلة اه.
قال صاحب الكشف: والجواب أنه لا فخامة للتعقيب المجرد، ثم إن ما ذكره الزمخشري وقد أشرنا إليه نحن فيما سبق مستقل في حصول الإقماح فأين التعقيب، وبه خرج الجواب عن التسبب، وقوله ولأن اليد الخ لا يستقل جوابا دون الأولين اه، وعلى العلات رجوع الضمير إلى الأغلال هو الحري بالاعتبار وبلاغة الكتاب الكريم تقتضيه ولا تكاد تلتفت إلى غيره.
* (وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون) *.
* (وجعلنا) * عطف على * (جعلنا) * السابق * (من بين أيديهم) * من قدامهم * (سدا) * عظيما وقيل نوعا من السد * (ومن خلفهم) * من ورائهم * (سدا) * كذلك والقدام والوراء كناية عن جميع الجهات * (فأغشيناهم) * فغطينا بما جعلناه من السد أبصارهم، وعن مجاهد * (فأغشيناهم) * فألبسنا أبصارهم غشاوة * (فهم) * بسبب ذلك * (لا يبصرون) * لا يقدرون على إبصار شيء ما أصلا.
وقرأ جمع من السبعة وغيرهم * (سدا) * بضم السين وهي لغة فيه، وقيل ما كان من عمل الناس فهو بالفتح وما كان من خلق الله تعالى فهو بالضم، وقيل بالعكس. وقرأ ابن عباس. وعمر بن عبد العزيز. وابن يعمر. وعكرمة. والنخعي. وابن سيرين. والحسن. وأبو رجاء. وزيد بن علي. وأبو حنيفة. ويزيد البربري. ويزيد بن المهلب. وابن مقسم * (فأغشيانهم) * بالعين من العشا وهو ضعف البصر، ومجموع المتعاطفين من قوله تعالى: * (إنا جعلنا) * الخ تأكيد وتقرير لما دل عليه قوله سبحانه: * (لقد حق القول على أكثرهم) * (يس: 7) الخ من