تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٢ - الصفحة ١٩٣
قطعية بحصول مرجوهم.
وظاهر ما روي عن قتادة من تفسيره التجارة بالجنة أنها مجاز عن الربح وفسر * (لن تبور) * بلن تبيد وهو كما ترى، وقوله تعالى:
* (ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور) *.
* (ليوفيهم أجورهم) * متعلق عند بعض بما دل عليه لن تعلق * (بنعمة ربك) * (الطور: 29) في قوله تعالى: * (ما أنت بنعمة ربك بمجنون) * (القلم: 2) بما دل علي - ما - لا بالحرف إذ لا يتعلق الجار به على المشهور أي ينتفي الكساد عنها وتنفق عند الله تعالى ليوفيهم أجور أعمالهم * (ويزيدهم من فضله) * على ذلك من خزائن رحمته ما يشاء وعن أبي وائل زيادته تعالى إياهم بتشفيعهم فيمن أحسن إليهم.
وقال الضحاك: بتفسيح القلوب، وفي الحديث بتضعيف حسناتهم، وقيل بالنظر إلى وجهه تعالى الكريم.
والظاهر أن * (من فضله) * راجع لما عنده ففيه إشارة إلى أن توفية أجورهم كالواجب لكونه جزاء لهم بوعده سبحانه ويجوز أن يكون راجعا إليهما أو متعلق بمقدر يدل عليه ما قبله وهو ما عد من أفعالهم المرضية أي فعلوا ذلك ليوفيهم أجورهم الخ، وجوز تعلقه بما قبله على التنازع وصنيع أبي البقاء يشعر باختيار تعلقه بيرجون وجعل اللام عليه لام الصيرورة. ويعقب بأنه لا مانع من جعلها لام العلة كما هو الشائع الكثير ولا يظهر للعدول عنه وجه.
ووجه ذلك الطيبي بأن غرضهم فيما فعلوا لم يكن سوى تجارة غير كاسدة لأن صلة الموصول هنا علة وإيذان بتحقق الخبر ولما أدى ذلك إلى أن وفاهم الله تعالى أجورهم أتى باللام، وإنما لم يذهب إليه بعض الأجلة كالزمخشري لأن هذه اللام لا توجد إلا فيما يترتب الثاني الذي هو مدخولها على الأول ولا يكون مطلوبا نحو تعالى: * (فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا) * (القصص: 8) وقوله تعالى: * (إنه غفور شكور) * تعليل لما قبله من التوفية والزيادة عند الكثير أي غفور لفرطات المطيعين شكور لطاعاتهم أي مجازيهم عليها أكمل الجزاء فيوفى هؤلاء أجورهم ويزيدهم من فضله، وجوز أن يكون خبرا بعد خبر والعائد محذوف أي لهم، وجوز أن يكون هو الخبر بتقدير العائد وجملة * (يرجون) * حال من ضمير * (أنفقوا) * بناء على أن القيد المتعقب لأمور متعددة يختص بالأخير كما هو مذهب أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه أو على أن رجاء التجارة النافقة أوفق بالإنفاق أو من مقدر أي فعلوا جميع ذلك راجين.
واستظهره الطيبي، والجملة عليه معترضة فلا يرد أن فيه الفصل بين المبتدأ أو خبره بأجنبي، وجوز أن يكون حالا من ضمير * (الذين) * على سبيل التنازع، ولم يشتهر التنازع في الحال وأنا لا أرى فيه بأسا، واستظهر بعض المعاصرين جعل الجملة المذكورة حالا من ضمير * (أنفقوا) * لقربه وشدة الملاءمة بين الإنفاق ورجاء تجارة لها نفاق ولا يبعد أن يكون قد حذف فيما تقدم نظيرها لدلالتها عليه وجعل * (ليوفيهم) * متنازعا فيه للأفعال الثلاثة المتعاطفة أو جعل الجملة حالا من مقدر كما سمعت آنفا و * (ليوفيهم) * متعلقا بيرجون وجملة * (إنه غفور شكور) * خير المبتدأ والرابط محذوف وفي جملة * (يرجون) * الخ احتمال الاستعارة التمثيلية ولو على بعد ولم أر من أشار إليه فتدبر.
* (والذىأوحينآ إليك من الكت‍ابهو الحق مصدقا لما بين يديه إن الله بعباده لخبير بصير) *.
* (والذي أوحينا إليكع من الكتاب) * وهو القرآن، و * (من) * للتبيين إذ القرآن أخص من الذي أوحينا مفهوما وإن اتحدا ذاتا أو جنس الكتاب ومن للتبعيض إذ المراد من * (الذي أوحينا) * هو القرآن وهو بعض جنس الكتاب، وقيل هو اللوح ومن للابتداء * (هو الحق) * إذا كان المراد الحصر فهو من قصر المسند إليه على المسند
(١٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 ... » »»