تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٢ - الصفحة ٢٠٦
عطفا على * (نفورا) * وقرأ الأعمش. وحمزة * (السيء) * باسكان الهمزة في الوصل إجراء له مجرى الوقف أو لتو إلى الحركات وإجراء المنفصل مجرى المتصل، وزعم الزجاج أن هذه القراءة لحن لما فيها من حذف الاعراب كما قال أبو جعفر.
وزعم محمد بن زيد أن الحذف لا يجوز في نثر ولا شعر لأن حركات الاعراب دخلت للفرق بين المعاني، وقد أعظم بعض النحويين أن يكون الأعمش قرأ بها، وقال: إنما كان يقف على هذه الكلمة فغلط من أدى عنه، والدليل على هذا أنها تمام الكلام ولذا لم يقرأ في نظيرها كذلك مع أن الحركة فيه أثقل لأنها ضمة بين كسرتين، والحق أنها ليست بلحن، وقد أكثر أبو علي في الحجة من الاستشهاد والاحتجاج للإسكان من أجل توالي الحركات والوصل بنية الوقف، وقال ابن القشيري: ما ثبت بالاستفاضة أو التواتر أنه قرىء به فلا بد من جوازه ولا يجوز أن يقال لحن، ولعمري أن الإسكان ههنا أحسن من الإسكان في * (بارئكم) * كما في قراءة أبي عمرو، وروي عن ابن كثير * (ومكر السأي) * بهمزة ساكنة بعد السين وياء بعدها مكسورة وهو مقلوب السيء المخفف من السيء كما قال الشاعر: ولا يجزون من حسن بسيء * ولا يجزون من غلظ بلين وقرأ ابن مسعود * (مكرا سيئا) * عطف نكرة على نكرة * (ولا يحيق المكر السيء) * أي لا يحيط * (إلا بأهله) *.
وقال الراغب: أي لا يصيب ولا ينزل، وأيا ما كان فهو إنما ورد فيما يكره، وزعم بعضهم أن أصل حلق حق فجيء بدل أحد المثلين بالألف نحو ذم وذام وزل وزال، وهذا من ارسال المثل ومن أمثال العرب من حفر لأخيه جبا وقع فيه منكبا، وعن كعب أنه قال لابن عباس: قرأت في التوراة من حفر مغواة وقع فيها قال: أنا وجدت ذلك في كتاب الله تعالى فقرأ الآية، وفي الخبر " لا تمكروا ولا تعينوا ماكرا فإن الله تعالى يقول ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله ولا تبغوا ولا تعينوا باغيا فإن الله سبحانه يقول إنما بغيكم على أنفسكم " وقد حاق مكر هؤلاء بهم يوم بدر.
والآية عامة على الصحيح والأمور بعواقبها والله تعالى يمهل ولا يهمل ووراء الدنيا الآخرة وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، وبالجملة من مكر به غيره ونفذ فيه المكر عاجلا في الظاهرففي الحقيقة هو الفائز والماكر هو الهالك، أسأل الله تعالى بحرمة حبيبه الأعظم صلى الله عليه وسلم أن يدفع ويرفع عنا مكر الماكرين وأن يعاملهم في الدارين بعدله إنه سبحانه القوى المتين. وقرىء * (ولا يحيق) * بضم الياء * (المكر السيء) * بالنصب على أن يحيق من أحاق المتعدى وفاعله ضمير راجع إليه تعالى و * (المكر) * مفعوله * (فهل ينظرون) * أي ما ينتظرون، وهو مجاز بجعل ما يستقبل بمنزلة ما ينتظر ويتوقع * (إلا سنت الأولين) * أي إلا سنة الله تعالى فيهم بتعذيب مكذبيهم.
* (فلن تجد لسنت الله تبديلا) * بأن يضع سبحانه موضع العذاب * (ولن تجد لسنت الله تحويلا) * بأن ينقل عذابه من المكذبين إلى غيرهم، والفاء لتعليل ما يفيده الحكم بانتظارهم العذاب من مجيئه، ونفي وجدان التبديل والتحويل عبارة عن نفي وجودهما بالطريق البرهاني، وتخصيص كل منهما بنفي مستقل لتأكيد انتفائهما، والخطاب عام أو خاص به عليه الصلاة والسلام.
* (أولم يسيروا فى الارض فينظروا كيف كان ع‍اقبة الذين من قبلهم وكانوا أشد منهم قوة وما كان الله ليعجزه من شىء فى السم‍اوات ولا فى الارض إنه كان عليما قديرا) *.
* (أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان ع‍اقبة الذين من قبلهم) * استشهاد على ما قبله من جريان سنة الله تعالى على تعذيب المكذبين بما يشاهدونه في مسايرهم ومتاجرهم في رحلتهم إلى الشام واليمن والعراق
(٢٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 ... » »»