تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٢ - الصفحة ٢٠١
صالحا وكأنهم أرادوا بالعمل الصالح التوحيد وامتثال أمر الرسول عليه الصلاة والسلام والانقياد له، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: * (نعمل صالحا) * نقل لا إله إلا الله * (أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر) * جواب من جهته تعالى وتوبيخ لهم في الآخرة حين يقولون * (ربنا) * الخ فهو بتقدير فنقول لهم أو فيقال لهم * (أو لم نعمركم) * الخ، وفي بعض الآثار أنهم يجابون بذلك بعد مقدار الدنيا، والهمزة للإنكار والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام وما موصولة أو موصوفة أي ألم نمهلكم ونعمركم الذي أي العمر الذي أو عمرا يتذكر فيه من تذكر أي يتمكن فيه من أراد التذكر وتحققت منه تلك الإرادة من التذكر والتفكر.
وقال أبو حيان: ما مصدرية ظرفية أي ألم نعمركم في مدة تذكر، وتعقب بأن ضمير * (فيه) * يأباه لأنها لا يعود عليها ضمير إلا على نظر الأخفش فإنه يرى اسميتها وهو ضعيف، ولعله يجعل الضمير للعمر المفهوم من * (نعمر) * وفيه بعد.
وجعل ما نافية لا يصح كما قال ابن الحاجب لفظا ومعنى، وهذا العمر على ما روى عن علي كرم الله تعالى وجهه وأخرجه جماعة وصححه الحاكم عن ابن عباس ستون سنة، وقد أخرج الإمام أحمد. والبخاري. والنسائي. وغيرهم عن سهل بن سعد قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اعذر الله تعالى إلى امرىء أخر عمره حتى بلغ ستين سنة؛ - وقيل: - هو خمسون سنة " وفي رواية عن ابن عباس أنه ست وأربعون سنة، وأخرج عبد بن حميد. وابن حاتم عن الحسن أنه أربعون سنة، وفي رواية أخرى عنه أنه سن البلوغ، وقيل: سبع عشرة سنة، وعن قتادة ثمان عشرة سنة، وعن عمر بن عبد العزيز عشرون سنة، وعن مجاهد مابين العشرين إلى الستين، وقرأ الأعمش * (ما يذكر فيه من اذكر) * بالإدغام واجتلاب همزة الوصل ملفوظا بها في الدرج * (وجاءكم النذير) * عطف على معنى الجملة الاستفهامية فكأنه قيل: عمرناكم وجاءكم النذير فليس من عطف الخبر على الإنشاء كما في قوله تعالى: * (أل نشرح لك صدرك * ووضعنا عنك وزرك) * (الشرح: 1، 2) وجوز أن يكون عطفا على * (نعمركم) * ودخول الهمزة عليهما فلا تغفل.
والمراد بالنذير على ما روى عن السدي. وابن زيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل: ما معه من القرآن، وقال أبو حيان: المراد جنس النذير وهم الأنبياء عليهم السلام فكل نبي نذير أمته، ويؤيده أنه قرىء * (النذر) * جمعا، وعن ابن عباس. وعكرمة. وسفيان بن عيينة. ووكيع. والحسين بن الفضل. والفراء. والطبرسي هو الشيب، وفي الأثر ما من شعرة تبيض إلا قالت لأختها استعدى فقد قرب الموت، ومن هنا قيل: رأيت الشيب من نذر المنايا * لصاحبه وحسبك من نذير وقائلة تخضب يا حبيبي * وسود شعر شيبك بالعبير فقلت لها المشيب نذير عمري * ولست مسودا وجه النذير وقيل: الحمى، وقيل: موت الأهل والأقارب، وقيل: كمال العقل، والاقتصار على النذير لأنه الذي يقتضيه المقام، والفاء في قوله تعالى: * (فذوقوا) * لترتيب الأمر بالذوق على ما قبلها من التعمير ومجيء النذير، وفي قوله سبحانه: * (فما للظ‍المين من نصير) * للتعليل، والمراد بالظلم هنا الكفر، قيل كان الظاهر فما لكم لكن عدل إلى المظهر لتقريعهم، والمراد استمرار نفي أن يكون لهم نصير يدفع عنهم العذاب.
* (إن الله ع‍الم غيب السم‍اوات والارض إنه عليم بذات الصدور) *.
* (إن الله عالم غيب السموات والأرض) * أي كل غيب فيهما أي لا يخفى عليه سبحانه خافية فيهما فلا تخفى عليه جل شأن أحوالهم التي اقتضت الحكمة
(٢٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 196 197 198 199 200 201 202 203 204 205 206 ... » »»