تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ٩١
عن النبي صلى الله عليه وسلم " سرعة المشي تذهب بهاء المؤمر " أي هيبته وجماله أي تورثه حقارة في أعين الناس، وكأن ذلك لأنها تدل على الخفة وهذا أقرب من قول المناوي لأنها تتعب فتغير البدن والهيئة.
وقال ابن مسعود: كانوا ينهون عن خبب اليهود ودبيب النصارى ولكن مشيا بين ذلك، وما في النهاية من أن عائشة نظرت إلى رجل كاد يموت تخافتا فقالت: ما لهذا؟ فقيل: إنه من القراء فقالت: كان عمر رضي الله تعالى عنه سيد القراء وكان إذا مشى أسرع وإذا قال أسمع وإذا ضرب أوجع، فالمراد بالإسراع فيه ما فوق دبيب المتماوت وهو الذي يخفي صوته ويقل حركاته مما يتزيا بزي العباد كأنه يتكلف في اتصافه بما يقربه من صفات الأموات ليوهم أنه ضعف من كثرة العبادة فلا ينافي الآية، وكذا ما ورد في صفته صلى الله عليه وسلم إذ يمشي كأنما ينحط من صبب وكذا لا ينافيها قوله تعالى: * (وعباد الرحمن الذي يمشون على الأرض هونا) * إذ ليس الهون فيه المشي كدبيب النمل، وذكر بعض الأفاضل أن المذموم اعتياد الإسراع بالإفراط فيه، وقال السخاوي: محل ذم الإسراع ما لم يخش من بطء السير تفويت أمر ديني، لكن أنت تعلم أن الإسراع المذهب للخشوع لإدراك الركعة مع الإمام مثلا مما قالوا إنه مما لا ينبغي فلا تغفل، وعن مجاهد أن القصد في المشي التواضع فيه، وقيل: جعل البصر موضع القدم، والمعول عليه ما تقدم. وقرىء * (وأقصد) * بقطع الهمزة ونسبها ابن خالويه للحجازي من أقصد الرامي إذا سدد سهمه نحو الرمية ووجهه إليها ليصيبها أي سدد في مشيك والمراد أمش مشيا حسنا، وكأنه أريد التوسط به بين المشيين السريع والبطىء فتتوافق القراءاتان * (واغضص من صوتك) * أي انقص منه واقصر من قولك فلان يغض من فلان إذا قصر به ووضع منه وحط من درجته. وفي " البحر " الغضرد طموح الشيء كالصوت والنظر ويستعمل متعديا بنفسه كما في قوله: فغض الطرف إنك من نمير ومتعديا بمن كما هو ظاهر قول الجوهري غض من صوته. والظاهر إن ما في الآية من الثاني، وتكلف بعضهم جعل من فيها للتبعيض، وادعى آخر كونها زائدة في الإثبات، وكانت العرب تفتخر بجهارة الصوت وتمدح به في الجاهلية ومنه، قول الشاعر: جهير الكلام جهير العطاس * جهير الرواء جهير النعم ويخطو على العم خطو الظليم * ويعلو الرجال بخلق عمم والحكمة في غض الصوت المأمور به أنه أوفر للمتكلم وأبسط لنفس السامع وفهمه * (إن أنكر الأصوات) * أي أقبحها يقال وجه منكر أي قبيح قال في " البحر ": وهو أفعل بني من فعل المفعول كقولهم: أشغل من ذات النحيين وبناؤه من ذلك شاذ، وقال بعض: أي أصعبها على السمع وأوحشها من نكر بالضم نكارة ومنه * (يوم يدع الداع إلى شيء نكر) * (القمر: 6) أي أمر صعب لا يعرف، والمراد بالأصوات أصوات الحيوانات أي إن أنكر أصوات الحيوانات * (لصوت الحمير) * جمع حمار كما صرح به أهل اللغة ولم يخالف فيه غير السهيلي قال: أنه فعيل اسم جمع كالعبيد وقد يطلق على اسم الجمع الجمع عند اللغويين، والجملة تعليل للأمر بالغض على أبلغ وجه وآكده حيث شبه الرافعون أصواتهمب الحمير وهم مثل في الذم البليغ والتشمية ومثلت أصواتهم بالنهاق الذي أوله زفير
(٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 ... » »»