والندب والإباحة فإن كان مما علمت صفته فلا يحلو من أن تكون الوجوب أو الندب أو الإباحة لا جائز أن تكون الوجوب المستلزم لحرمة سماع اليراع إذ لا قائل بأنه يجب على أحد سد الاذنين عند سماع محرم إذ يأمن الاثم بعد القصد فقد قالوا: إن الحرام الاستماع لا مجرد السماع بلا قصد، وفي الزواجر الممنوع هو الاستماع لا السماع لا عن قصد اتفاقا، ومن ثم صرح أصحابنا - يعني الشافعية - أن من بجواره آلات محرمة ولا يمكنه إزالتها لا يلزمه النقلة ولا يأتم بسماعها لا عن قصد واصغاء اه، والظاهر أن الأمر كذلك عند سائر الأئمة، نعم لهم تفصيل في القعود في مكان فيه نحو ذلك، قالفي تنوير الأبصار وشرحه الدر المختار: دعى إلى وليمة وثمة لعب وغناء قعد وأكل ولو على المائدة لا ينبغي أن يقعد بل يخرج معرضا لقوله تعالى: * (فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين) * (الأنعام: 68) فإن قدر على المنع فعل وإلا يقدر صبر ان لم يكن ممن يقتدي به فإن كان مقتدى به ولم يقدر على المنع خرج ولا يقعد لأن فيه شين الدين، والمحكى عن الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه كان قبل أن يصير مقتدى به، وإن علم أولا لا يحضر أصلا سواء كان ممن يقتدي به أولا اه فتعين كونها الندب أو الإباحة وكلا الأمرين لا يستلزمان الحرمة فيحتمل أن يكون ذلك حراما أو مكروها يندب سدا لاذنين عند سماعه احتياطا من أن يدعو إلى الاستماع المحرم أو المكروه، وإن كان مما لم تعلم صفته فقد قالوا فيما كان كذلك: المذاهب فيه بالنسبة إلى الأمة خمسة الوجوب والندب والإباحة والوقف والتفصيل وهو أنه إن ظهر قصد القربة فالندب وإلا فالإباحة ويعلم مما ذكرنا الحال على كل مذهب والذي يغلب على الظن أن ما أشار إليه الخبر ان كان الزمر بزمارة الزاعي على وجه التأنق وإجراء النغمات التي تحرك الشهوات كما يفعله من جعل ذلك صنعته اليوم فاستماعه حرام وسد الاذنين المشار إليه فيه لعله كان منه عليه الصلاة والسلام تعليما للأمة أحد طرق الاحتياط المعلوم حاله لئلا يجرهم ذلك إلى الاستماع وإلا فالاستماع لمكان العصمة مما لا يتصور في حقه صلى الله عليه وسلم، ومن عرف قدر الصحابة واطلع على سبيلهم وحرصهم على التأسي به عليه الصلاة والسلام لم يشك في أن ابن عمر رضي الله تعالى عنه سد أذنيه أيضا تأسيا ويكون حينئذ قوله عليه الصلاة والسلام الذي يشير إليه الخبر له رضي الله تعالى عنه أتسمع على معنى تسمع أتسمع وإنما أسقط تسمع لدلالة الحال عليه إذ من سد أذنيه لا يسمع، وإنما أذن له صلى الله عليه وسلم بذلك لموضع الحاجة وهذا أقرب من احتمال كون سد الأذنين منه صلى الله عليه وسلم لأنه كان في حال ذكر أو فكر وكان يشغله صلى الله عليه وسلم عند السماع.
وأما عدم نهيه عليه الصلاة والسلام من كان يزمر عن الزمر والإنكار عليه فلا يسلم دلالته على الجواز فإنه يجوز أن يكون الصوت جاء بعيد وبين الزامر وبينه عليه الصلاة والسلام ما يمنع من الوصول إليه أو لم يعرف عينه صلى الله عليه وسلم لأن الصوت قد جاء من وراء حجاب ولا تتحقق القدرة معه على الإنكار، ويجوز أيضا أن يكون التحريم معلوما من قبل وعلم من النبي صلى الله عليه وسلم الإصرار عليه وأن يكون قد علم إصرار ذلك الفاعل على فعله فيكون ذلك كاختلاف أهل الذمة إلى كنائسهم، وفي مثل ذلك لا يدل السكوت وعدم الإنكار على الجواز إجماعا، ومن قال بأن الكافر غير مكلف بالفروع قال: يجوز أن يكون ذلك الزامر كافرا وأن السكوت في حقه ليس دليل الجواز وان كان الزمر بها لا على وجه التأنق وإجراء النغمات التي تحرك الشهوات فلا بعد في