تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ٥١
الجواب فكأنه لما قيل: أقيموا على الدين القيم قبل مجىء يوم يتفرقون فيه فقيل: ما للمقيمين على الدين وما على المنحرفين عنه وكيف يتفرقون؟ فأجيب من كفر فعليه كفره الآية، وأما قوله سبحانه: * (ليجزى الذين آمنوا) * الآية فينبغي أن يكون تعليلا للكل ليفصل ما يترتب على ما لهم وعليهم لكن يتعلق بيمهدون وحده لشدة العناية بشأن الإيمان والعمل الصالح وعدم الإعباء بعمل الكافر ولذلك وضع موضعه * (إنه لا يحب الكافرين) * انتهى فلا تغفل، وفي الآية لطيفة نبه عليها الإمام قدس سره وهي أن الله عز وجل عندما أسند الكفر والإيمان إلى العبيد قدم الكافر وعندما أسند الجزاء إلى نفسه قدم المؤمن لأن قوله تعالى: * (من كفر) * وعيد للمكلف ليمتنع عما يضره لينقذه سبحانه من الشر وقوله تعالى: * (ومن عمل صالحا) * (الروم: 44) تحريض له وترغيب في الخير ليوصله إلى الثواب والإنقاذ مقدم عند الحكيم الرحيم وأما عند الجزاء فابتدأ جل شأنه بالإحسان إظهارا للكرم والرحمة.
هذا ولما ذكر سبحانه ظهور الفساد والهلاك بسبب المعاصي ذكر ظهور الصلاة ولم يذكر عز وجل أنه بسبب العمل الصالح لأن الكريم يذكر لعقابه سببا لئلا يتوهم منه الظلم ولا يذكر ذلك لإحسانه فقال عز من قائل:
* (ومن ءاي‍اته أن يرسل الري‍اح مبشرات وليذيقكم من رحمته ولتجرى الفلك بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون) *.
* (ومن ءاياته أن يرسل الرياح) * الجنوب ومهبها من مطلع سهيل إلى مطلع الثريا والصبا ومهبها من مطلع الثريا إلى بنات نعش، والشمال ومهبها من بنات نعش إلى مسقط النسر الطائر فإنها رياح الرحمة وأما الدبور ومهبها من مسقط النسر الطائر إلى مطلع سهيل فريح العذاب، وذكر أن الثلاثة الأول تلقح السحاب الماطر وتجمعه فلذا كانت رحمة، وعن أبي عبيدة الشمال عند العرب للروح والجنوب للإمطار والإنداء والصبا لإلقاح الأشجار والدبور للبلاء وأهونه أن تثير غبارا عاصفا يقذي العين وهي أقلهن هبوبا، وروى الطبراني. والبيهقي في سننه عن ابن عباس من حديث ذكر فيه ما كان يفعله ويقوله صلى الله عليه وسلم إذا هاجت ريح: " اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا " وهو مبني على أن الرياح للرحمة والريح للعذاب، وفي النهاية العرب تقول: لا تلقح السحاب إلا من رياح مختلفة فكأنه قال صلى الله عليه وسلم اللهم اجعلها لقاحا للسحاب ولا تجعلها عذابا ثم قال: وتحقيق ذلك مجىء الجمع في آيات الرحمة والواحد في قصص العذاب كالريح العقيم وريحا صرصرا، وقال بعضهم: أن ذاك لأن الريح إذا كانت واحدة جاءت من جهة واحدة فصدمت جسم الحيوان والنبات من جهة واحدة فتؤثر فيه أثرا أكثر من حاجته فتضره ويتضرر الجانب المقابل لعكس ممرها ويفوته حظه من الهواء فيكون داعيا إلى فساده بخلاف ما إذا كانت رياحا فإنها تعم جوانب الجسم فيأخذ كل جانب حظه فيحدث الاعتدال، وأنت تعلم أنه قد تفرد الريح حيث لا عذاب كما في قوله تعالى: * (وجرين بهم بريح طيبة) * (يونس: 22) وقوله سبحانه: * (ولسليمان الريح) * (الأنبياء: 81) والحديث مختلف فيه فرمز السيوطي لحسنه، وقال الحافظ الهيثمي: في سنده حسين بن قيس وهو متروك وبقية رجاله رجال الصحيح، ورواه ابن عدي في الكامل من هذا الوجه وأعله بحسين المذكور، ونقل تضعيفه عن أحمد. والنسائي. نعم إن الحافظ عزاه في الفتح لأبي يعلى وحده عن أنس رفعه، وقال إسناده صحيح فليحفظ ذلك.
وقرأ ابن كثير. والكسائي. والأعمش * (الريح) * مفردا على إرادة معنى الجمع ولذا قال سبحانه: * (مبشرات) * أي بالمطر * (وليذيقكم من رحمته) * يعني المنافع التابعة لها كتذرية الحبوب وتخفيف العفونة وسقي الأشجار إلى غير ذلك من اللطف والنعم، وقيل: الخصب التابع لنزول المطر المسبب عنها أو الروح الذي هو مع هبوبها، ولا وجه للتخصيص، والواو للعطف، والعطف على علة محذوفة دل عليها * (مبشرات) * أي ليبشركم وليذيقكم أو على
(٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 ... » »»