تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ٥٦
كان يعرفه في الدنيا يسلم عليه إلا عرفه ورد عليه " وبما أخرج ابن أبي الدنيا عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: " الروح بيد ملك يمشي به مع الجنازة يقول له: أتسمع ما يقال لك؟ فإذا بلغ حفرته دفنه معه " وبما في " الصحيحين " من قوله صلى الله عليه وسلم: " إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه أنه ليسمع قرع نعالهم " وأجابوا عن الآية فقال السهيلي: إنها كقوله تعالى: * (أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمى) * (الزخرف: 40) أي إن الله تعالى هو الذي يسمع ويهدي.
وقال بعض الأجلة: إن معناها لا تسمعهم إلا أن يشاء الله تعالى أو لا تسمعهم سماعا ينفعهم، وقد ينفي الشيء لانتفاء فائدته وثمرته كما في قوله تعالى: * (ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها) * (الأعراف: 179) الآية، وهذا التأويل يجوز أن يعتبر في قوله تعالى: * (ولا تسمع الصم) * ويكون نكتة العدول عن - فإنك لا تسمع الموتى ولا الصم - إلى ما في " النظم الجليل " العناية بنفي الاسماع ويجوز أن لا يعتبر فيه ويبقى الكلام على ظاهره ويكون نكتة العدول الإشارة إلى أن * (لا تسمع) * في كل من الجملتين بمعنى.
وقال الذاهبون إلى عدم سماعهم: الأصل عدم التأويل والتمسك بالظاهر إلى أن يتحقق ما يقتضي خلافه، وأجابوا عن كثير مما استدل به الآخرون فقال بعضهم: إن ما وقع في حديث أبي طلحة رضي الله عنه يجوز أن يكون معجزة له صلى الله عليه وسلم، وهو مراد من قال: إنه من خصوصياته عليه الصلاة والسلام وهي خوارق العادة، والكلام في موافقها وهو الذي نفي في آية * (إنك لا تسمع الموتى) * ونحوها وفي قوله عليه الصلاة والسلام: " ما أنتم بأسمع لما أقول منهم " دون ما أنتم بأسمع لما يقال ونحوه منهم تأييد ما لذلك، وحديث أبي الشيخ مرسل وحكم الاستدلال به معروف، على أن احتمال الخصوصية قائم فيه أيضا؛ وفي " صحيح البخاري " قال قتادة: أحياهم الله تعالى يعني أهل الطوى حتى أسمعهم قوله صلى الله عليه وسلم توبيخا وتصغيرا ونقمة وحسرة وندما، ويؤيد ما أخرج البخاري، ومسلم، والنسائي وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عمر قال: " وقف النبي صلى الله عليه وسلم على قيل بدر فقال: هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا؟ ثم قال عليه الصلاة والسلام: إنهم الآن يسمعون ما أقول " حيث قيد صلى الله عليه وسلم سماعهم بالآن، وإذا قلنا، بأن الميت يسئل سبعة أيام في قبره مؤمنا كان أو منافقا أو كافرا وأنه حين السؤال تعاد إليه روحه كان لك أن تقول: يجوز أن يكون خطاب أهل القليب حين إعادة أرواحهم إلى أبدانهم للسؤال فإنه كما في حديث أخرجه أحمد، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي كان في اليوم الثالث من قتلهم، ويحتمل أن يكون خطابه صلى الله عليه وسلم لأم محجن كان وقت السؤال بأن يكون ذلك قبل مضي سبعة أيام عليها، وعليه لا يكون سماعهم من المتانازع فيه لأنهم حين سمعوا إحياء لا موتى، ويرد على هذا أن عمر رضي الله تعالى عنه قال له عليه الصلاة والسلام: ما تكلم من أجساد لا أرواح لها. ولم ينكر ذلك عليه صلى الله عليه وسلم بل قال عليه الصلاة والسلام له: " ما أنتم بأسمع لما أقول منهم " ولو كان الأمر كما قال قتادة لكان الظاهر أن يقول صلى الله عليه وسلم له رضي الله تعالى عنه: ليس الأمر كما تقول إن الله عز وجل أحياهم لي أو نحو ذلك، وعائشة رضي الله تعالى عنها أنكرت ما وقع في الحديث مما استدل به على المقصود، ففي " صحيح البخاري " عن هشام عن أبيه قال: ذكر عند عائشة أن ابن عمر رفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه، فقالت:
(٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 ... » »»