وفيما قبل نعى الشرك وفيها من تخويف المشركين ما فيها.
وقال الإمام: في وجه التعلق هو أن الشرك سبب الفساد كما قال تعالى: * (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) * (الأنبياء: 22) وإذا كان الشرك سببه جعل الله تعالى إظهارهم الشرك مورثا لظهور الفساد ولو فعل بهم ما يقتضيه قولهم لفسدت السموات والأرض كما قال سبحانه: * (تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا) * (مريم: 90) وإلى هذا أشار عز وجل بقوله سبحانه: * (ولنذيقهم بعض الذي عملوا) * انتهى، فتأمل وأنصف. وقوله تعالى:
* (قل سيروا فى الارض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين) *.
* (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل) * مسوق لتأكيد تسبب المعاصي لغضب الله تعالى ونكاله حيث أمروا بأن يسيروا فينظروا كيف أهلك الله تعالى الأمم وأذاقهم سوء العاقبة بمعاصيهم ويتحققوا صدق ما تقدم، وقوله تعالى: * (كان أكثرهم مشركين) * استئناف للدلالة على أن الشرك وحده لم يكن سبب تدمير جميعهم بل هو سبب للتدمير في أكثرهم وما دونه من المعاصي سبب له في قليل منهم.
وجوز أن يكون للدلالة على أن سوء عاقبتهم لفشو الشرك وغلبته فيهم ففيه تهويل لأمر الشرك بأنه فتنة لا تصيب الذين ظلموا خاصة.
* (فأقم وجهك للدين القيم من قبل أن يأتى يوم لا مرد له من الله يومئذ يصدعون) *.
* (فأقم وجهك للدين القيم) * أي إذا كان الأمر كذلك فأقم وتمام الكلام فيما هنا يعلم مما تقدم في هذه السورة الكريمة * (من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله) * جوز أن يتعلق بمرد وهو مصدر بمعنى الرد، والمعنى لا يرده سبحانه بعد أن يجىء به ولا رد له من جهته عز وجل فيفيد انتفاء رد غيره تعالى له بطريق برهاني، واعترض بأنه لو كان كذلك للزم تنوين * (يوم) * لمشابهته للمضاف.
وأجيب بأنه مبني على ما قال ابن مالك في التسهيل من أنه قد يعامل الشبيه بالمضاف معاملته فيترك تنوينه وحمل عليه قوله عليه الصلاة والسلام " لا مانع لما أعطيت " وتفصيله في شرحه، وبعضهم جعله متعلقا بمحذوف يدل عليه * (مرد) * أي لا يرد من جهته تعالى أي لا يرده هو عز وجل؛ وقيل: هو خبر مبتدأ محذوف والتقدير هو أي الرد المنفي كائن من الله تعالى، والجملة استئناف جواب سؤال تقديره ممن ذلك الرد المنفي؟ وقيل: هو متعلق بمحذوف وقع حالا من الضمير في الظرف الواقع خبرا للا، وقيل: متعلق بالنفي أو بما دل عليه، وقيل: متعلق بمحذوف وقع صفة ليوم، وجوز كثير تعلقه بيأتي أي من قبل أي يأتي من الله تعالى يوم لا يقدر أحد أن يرده.
وتعقب بأن ذلك خلاف المتبادر من اللفظ والمعنى وهو مع ذلك قليل الفائدة وارتضاه الطيبي فقال: هذا الوجه أبلغ لإطلاق الرد وتفخيم اليوم وإن إتيانه من جهة عظيم قادر ذي سلطان قاهر ومنه يعلم أن ذلك ليس قليل الفائدة. نعم إن فيه الفصل الملبس وحال سائر الأوجه لا يخفى على ذي تمييز * (يومئذ) * أي يوم إذ يأتي * (يصدعون) * أصله يتصدعون فقلبت تاؤه صادا وأدغمت والتصدع في الأصل تفرق أجزاء الأواني ثم استعمل في مطلق التفرق أي يتفرقون فريق في الجنة وفريق في السعير، وقيل: يتفرقون تفرق الأشخاص على ما ورد في قوله تعالى: * (يوم يكون الناس كالفراش المبثوث) * (القارعة: 4) لا تفرق الفريقين فإن المبالغة في التفرق المستفادة من * (يصدعون) * إنما تناسب الأول، ورجح الثاني بأنه المناسب للسياق والسباق إذ الكلام في المؤمنين والكافرين فما ذكر بيان