تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ٤٨
الغنم فلما قتل قابيل هابيل أقشعر ما في الأرض وشاكت الأشجار وصار ماء البحر ملحا زعافا وقصد الحيوان بعضه بعضا.
وذكر أن أول معصية في البحر غصب جلندي كل سفينة تمر عليه فكأن تخصيص الأمرين بالذكر لذلك، وأيا ما كان فالبر والبحر على ظاهرهما، وعن مجاهد البر البلاد البعيدة من البحر والبحر السواحل والمدن التي عند البحر والأنهار، وقال قتادة: البر الفيافي ومواضع القبائل وأهل الصحاري والعمود والبحر المدن، والعرب تسمى الأمصار بحارا لسعتها، ومنه قول سعد بن عبادة في عبد الله بن أبي بن سلول، ولقد أجمع أهل هذه البحيرة يعني المدينة ليتوجوه.
قال أبو حيان: ويؤيد هذا قراءة عكرمة * (والبحور) * بالجمع ورويت عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وجوز النحاس أن يكون البحر على ظاهره إلا أن الكلام على حذف مضاف أي مدن البحر فهو مثل * (واسأل القرية) * وجوز أيضا أن يراد بالفساد المعاصي من قطع الطريق والظلم وغيرهما، و * (أل) * في * (البر والبحر) * للجنس وكذا في * (الفساد) * أي ظهر جنس الفساد من الجدب والموتان ونحوهما في جنس البر وجنس البحر * (بما كسبت أيدي الناس) * أي بسبب ما فعله الناس من المعاصي والذنوب وشؤمه وهذا كقوله تعالى: * (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم) * (الشورى: 3) وهو على التفسير الأول للفساد ظاهر وأما على تفسيره بالمعاصي فالمعنى ظهرت المعاصي في البر والبحر بكسب الناس إياها وفعلهم لها، ومعنى قوله تعالى: * (ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون) * على الأول ظاهر وهو أن الله تعالى قد أفسد أسباب دنياهم ومحقها وبال بعض أعمالهم في الدنيا قبل أن يعاقبهم بجميعها في الآخرة لعلهم يرجعون عما هم عليه وأما على الثاني فاللام مجاز على معنى أن ظهور المعاصي بسببهم مما استوجبوا به أن يذيقهم الله تعالى وبال أعمالهم إرادة الرجوع فكأنهم إنما فسدوا وتسببوا لفشو المعاصي في الأرض لأجل ذلك.
وقرأ السلمي. والأعرج. وأبو حيوة. وسلام. وسهل. وروح. وابن حسان. وقنبل من طريق ابن مجاهد. وابن الصباح. وأبي الفضل الواسطي عنه ومحبوب عن أبي عمرو لنذيقهم بالنون، وظهور الفساد المذكور على ما أخرج ابن جرير. وابن أبي حاتم عن قتادة كان قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم فلما بعث عليه الصلاة والسلام رجع من رجع من الناس عن الضلال والظلم، وقيل: كان أوائل البعثة وذلك أن كفار قريش فعلوا ما فعلوا من المعاصي والاصرار على الشرك وإيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم فدعا صلى الله عليه وسلم فاقحطوا وحل بهم من البلاء ما حل فأخبر الله سبحانه أن ذلك بسبب معاصيهم ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون.
وفسر هذا القائل: * (الناس) * بكفار قريش، وقيل: كان في زامن سابق على زمان النزول أعم من أن يكون الزمان الذي قبيل البعثة أو بعيدها أو غير ذلك، وحكم الآية عام في كل فساد يظهر إلى يوم القيامة، ومن هنا قيل: من أذنب ذنبا يكون جميع الخلائق من الأنس والدواب والوحوش والطيور والذر خصماءه يوم القيامة لأنه تعالى يمنع المطر بشؤم المعصية فيتضرر بذلك أهل البر والبحر جميعا، وروي عن شقيق الزاهد أنه قال: من أكل الحرام فقد خان جميع الناس، ووجه تعلق الآية بما قبلها أن فيها نعى ما يعم الشرك وغيره من المعاصي
(٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 ... » »»