تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ١٦٧
فرقا وجبنا، واختيار البداوة ليكونوا سالمين من القتال، والجملة في موضع الحال من فاعل بادون، وحكى ابن عطية أن أبا عمرو. وعاصما. والأعمش * (قرؤا) * يسلون بغير همز نحو قوله تعالى: * (سل بني إسرائيل) * ولم يعرف ذلك عن أبي عمرو وعاصم، ولعل ذلك في شاذهما ونقلها " صاحب اللوامح " عن الحسن. والأعمش، وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما. وقتادة. والجحدري. والحسن. ويعقوب بخلاف عنهما * (يساءلون) * بتشديد السين والمد وأصله يتساءلون فأدغمت التاء في السين أي يسأل بعضهم بعضا أي قول بعضهم لبعض: ماذا سمعت وماذا بغلك؟ أو يتساءلون الإعراب أي يسألونهم كما تقول: رأيت الهلال وتراءيته وأبصرت زيدا وتباصرته * (ولو كانوا فيكم) * أي في هذه الكرة المفروضة بقوله تعالى: * (وإن يأت الأحزاب أو لو كانوا فيكم) * في الكرة الأولى السابقة ولم يرجعوا إلى داخل المدينة وكانت محاربة بالسيوف ومبارزة الصفوف * (ما قاتلوا إلا قليلا) * رياء وسمعة وخوفا من التعبير قال مقاتل والجياني والبعلبكي: هو قليل من حيث هو رياء ولو كان الله تعالى كان كثيرا.
* (لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الاخر وذكر الله كثيرا) *.
* (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) * الظاهر أن الخطاب للمؤمنين الخلص المخاطبين من قبل في قوله تعالى: * (عن أنبائكم) * وقوله سبحانه: * (ولو كانوا فيكم) *.
والأسوة بكسر الهمزة كما قرأ الجمهور وبضمها كما قرأ عاصم الخصلة، وقال الراغب: الحالة التي يكون عليها الإنسان وهي اسم كان و * (لكم) * الخبر و * (في رسول الله) * متعلق بما تعلق به * (لكم) * أو في موضع من * (إسوة) * لأنه لو تأخر جاز أن يكون نعتا لها أو متعلق بكان على مذهب من أجاز فيها ناقصة وفي أخواتها أن تعمل في الظرف، وجوز أن يكون في رسول الله الخبر ولكن تبيين أي أعني لكم أي والله لقد كان لكم في رسول الله خصلة حسنة من حقها أن يؤتسى ويقتدى بها كالثبات في الحرب ومقاساة الشدائد؛ ويجوز أن يراد بالأسوة القدوة بمعنى المقتدى على معنى هو صلى الله عليه وسلم في نفسه قدوة يحسن التأسي به، وفي الكلام صنعة التجريد وهو أن ينتزع من ذي صفة آخر مثله فيها مبالغة في الاتصاف نحو لقيت منه أسدا وهو كما يكون بمعنى من يكون بمعنى في كقوله: أراقت بنو مروان ظلما دماءنا * وفي الله إن لم يعدلوا حكم عدل وكقوله: في البيضة عشرون منا حديد أي هي في نفسها هذا القدر من الحديد، والآية وإن سيقت للاقتداء به عليه الصلاة والسلام في أمر الحرب من الثبات ونحوه فهي عامة في كل أفعاله صلى الله عليه وسلم إذا لم يعلم أنها من خصوصياته كنكاح ما فوق أربع نسوة؛ أخرج ابن ماجه. وابن أبي حاتم عن حفص بن عاصم قال: قلت لعبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما رأيتك في السفر لا تصلي قبل الصلاة ولا بعدها فقال يا ابن أخي صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا فلم أره يصلي قبل الصلاة ولا بعدها ويقول الله تعالى: * (لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة) * وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن قتادة قال: هم عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أن ينهى عن الحبرة فقال رجل: أليس قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسها؟ قال عمر: بلى قال الرجل: ألم يقل الله تعالى: * (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) * فترك ذلك عمر رضي الله تعالى عنه.
وأخرج الشيخان. والنسائي. وابن ماجه. وغيرهم عن ابن عمر أنه سئل عن رجل معتمر طاف بالبيت أيقع على امرأته قبل أن يطوف بين الصفا والمروة فقال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت وصلى خلف المقام ركعتين وسعى بين الصفا والمروة ثم قرأ * (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) *.
(١٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 ... » »»