تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ١٥٦
الفرسان معهم وقتل علي كرم الله تعالى وجهه عمرا في قصة مشهورة فانهزمت خيله حتى اقتحمت من الخندق هاربة وقتل مع عمرو منبه بن عثمان بن عبد الدار. ونوفل بن عبد العزى، وقيل: وجد نوفل في جوف الخندق فجعل المسلمون يرمونه بالحجارة فقال لهم: قتلة أجمل من هذه ينزل بعضهكم أقاتله فقتله الزبير بن العوام.
وذكر ابن إسحاق أن عليا كرم الله تعالى وجهه طعنه في ترقوته حتى أخرجها من مراقه فمات في الخندق وبعث المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشترون جيفته بعشرة آلاف فقال النبي عليه الصلاة والسلام: هو لكم لا نأكل ثمن الموتى، ثم أنزل الله تعالى النصر وذلك قوله تعالى: * (فأرسلنا عليهم ريحا) * عطف على * (جاءتكم) * مسوق لبيان النعمة إجمالا وسيأتي إن شاء الله تعالى بقيتها في آخر القصة.
* (وجنودا لم تروها) * وهم الملائكة عليهم السلام وكانوا على ما قيل ألفا، روي أن الله تعالى بعث عليهم صبا باردة في ليلة باردة فأخصرتهم وسفت التراب في وجوههم وأمر الملائكة عليهم السلام فقلعت الأوتاد وقطعت الأطناب وأطفأت النيران وأكفأت القدور وماجت الخيل بعضها في بعض وقذف في قلوبهم الرعب وكبرت الملائكة في جوانب عسكرهم فقال طليحة بن خويلد الأسدي: أما محمد صلى الله عليه وسلم فقد بدأكم بالسحر فالنجاء النجاء فانهزموا، وقال حذيفة رضي الله تعالى عنه وقد ذهب ليأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبر القوم. خرجت حتى إذا دنوت من عسكر القوم نظرت في ضوء نار لهم توقد وإذا رجل أدهم ضخم يقول بيده على النار ويمسح خاصرته ويقول: الرحيل الرحيل لا مقام لكم وإذا الرجل في عسكرهم ما يجاوز عسكرهم شبرا فوالله إني لأسمع صوت الحجارة في رحالهم وفرشهم والريح تضربهم ثم خرجت نحو النبي عليه الصلاة والسلام فلما صرت في نصف الطريق أو نحو ذلك إذا أنا بنحو عشرين فارسا متعممين فقالوا: أخبر صاحبك أن الله تعالى كفاه القوم.
وقرأ الحسن * (وجنودا) * بفتح الجيم، وقرأ أبو عمرو في رواية. وأبو بكر في رواية أيضا * (لم يروها) * بياء الغيبة * (وكان الله بما تعملون) * من حفر الخندق وترتيب مبادىء الحرب أعلاء لكلمة الله تعالى، وقيل: من التجائكم إليه تعالى ورجائكم من فضله عز وجل.
وقرأ أبو عمرو * (يعملون) * بياء الغيبة أي بما يعمله الكفار من التحرز والمحاربة وإغراء بعضهم بعضا عليها حرصا على إبطال حقكم، وقيل: من الكفر والمعاصي * (بصيرا) * ولذلك فعل ما فعل من نصركم عليهم، والجملة اعتراض مقرر لما قبله.
* (إذ جآءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الابص‍ار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا) *.
* (إذ جاءوكم) * بدل من * (إذا جاءتكم) * بدل كل من كل، وقيل: هو متعلق بتعملون أو ببصيرا * (من قوقكم) * من أعلى الوادي من جهة المشرق والإضافة إليهم لأدنى ملابسة، والجائي من ذلك بنو عطفان. ومن تابعهم من أهل نجد. وبنو قريظة. وبنو النضير * (ومن أسفل منكم) * من أسفل الوادي من قبل المغرب، والجائي من ذلك قريش ومن شايعهم من الأحابيش. وبني كنانة. وأهل تهامة، وقيل: الجائي من فوق بنو قريظة. ومن أسفل قريش. وأسد. وغطفان. وسليم، وقيل: غير ذلك.
ويحتمل أن يكون من فوق ومن أسفل كناية عن الإحاطة من جميع الجوانب كأنه قيل: إذ جاءوكم محيطين
(١٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 ... » »»