تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ١٦٤
في النسب ولا ضير، والقول بجميع الأقوال الأربعة المذكورة وحمل الأخوة على الأخوة في الدين والأخوة في الصحبة والجوار والأخوة في النسب لا يخفى حاله، * (وهلم) * عند أهل الحجاز يسوي فيه بين الواحد والجماعة، وأما عند تميم فيقال: هلم يا رجل وهلموا يا رجال، وهو عند بعض الأئمة صوت سمي به الفعل، واشتهر أنه يكون متعديا كلهم شهداءكم بمعنى أحضروا أو قربوا ولازما كهلم إلينا بناء على تفسير بأقبلوا إلينا؛ وأما على تفسيره بقربوا أنفسكم إلينا فالظاهر أنه متعد حذف مفعوله، وجوز كونه لازما وهذا تفسير لحاصل المعنى. وفي " البحر " أن الذي عليه النحويون أن هلم ليس صوتا وإنما هو مركبك اختلف في أصل تركيبه فقيل: مركب من ها التي للتنبيه والميم بمعنى اقصد وأقيل وهو مذهب البصريين، وقيل: من هل وأم، والكلام على المختار من ذلك مبسوط في محله.
* (ولا يأتون البأس) * أي الحرب والقتال وأصل معناه الشدة * (إلا قليلا) * أي إتيانا أو زمانا قليلا فقد كانوا لا يأتون العسكر إلا أن لا يجدوا بدا من إتيانه فيأتون ليرى الناس وجوههم فإذا غفلوا عنهم عادوا إلى بيوتهم، ويجوز أن يكون صفة مفعول مقدر كما كان صفة المصدر أو الزمان أي إلا بأسا قليلا على أنهم يعتذرون في البأس الكثير ولا يخرجون إلا في القليل، وإتيان البأس على هذه الأوجه على ظاهره، ويجوز أن يكون كناية عن القتال، والمعنى ولا يقاتلون إلا قتالا قليلا كقوله تعالى: * (وما قاتلوا إلا قليلا) * وقلته إما لقصر زمانه وإما لقلة غنائه، وأيا ما كان فالجملة حال من * (القائلين) * وقيل: يجوز أيضا أن تكون عطف بيان على * (قد يعلم) * وهو كما ترى، وقيل: هي من مقول القول وضمير الجمع لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أي القائلين ذلك والقائلين لا يأتي أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حرب الأحزاب ولا يقاومونهم إلا قليلا، وهذا القول خلاف المتبادر وكأنه ذهب إليه من قال إن الآية في اليهود.
* (أشحة عليكم فإذا جآء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم ك الذى يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير أول‍ائك لم يؤمنوا فأحبط الله أعم‍الهم وكان ذالك على الله يسيرا) *.
* (أشحة عليكم) * أي بخلاء عليكم بالنفقة والنصرة على ما روى عن مجاهد. وقتادة، وقيل: بأنفسهم، وقيل: بالغنيمة عند القسم، وقيل: بكل ما فيه منفعة لكم وصوب هذا أبو حيان، وذهب الزمخشري إلى أن المعنى أضناء بكم يترفرفون عليكم كما يفعل الرجل بالذاب عنه المناضل دونه عند الخوف وذلك لأنهم يخافون على أنفسهم لو غلب النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين حيث لم يكن لهم من يمنع الأحزاب عنهم ولا من يحمى حوزتهم سواهم، وقيل: كانوا يفعلون ذلك رياء، والأكثرون ذهبوا إلى ما سمعت قبل وعدل إليه مختصر وكشافه أيضا وذلك على ما قيل لأن ما ذهب إليه معنى ما في التفريع بعد فيحتاج إلى جعله تفسيرا، ورجحه بعض الأجلة على ما ذهب إليه الأكثر فقال: إنما اختاره ليطابق معنى ويقابل قوله تعالى بعد: * (أشحة على الخير) * ولأن الاستعمال يقتضيه فإن الشح على الشيء هو أن يراد بقاؤه كما في " الصحاح " وأشار إليه بقوله: أضناء بكم، وما ذكره غيره لا يساعده الاستعمال انتهى.
قال الخفاجي: إن سلم ما ذكر من الاستعمال كان متعينا وإلا فلكل وجهة كما لا يخفى على العارف بأساليب الكلام، و * (أشحة) * جميع شحيح على غير القياس إذ قياس فعيل الوصف المضعف عينه ولأمه أن يجمع على افعلاء كضنين وإضناء وخليل وإخلاء فالقياس أشحاء وهو مسموع أيضا، ونصبه عند الزجاج. وأبي البقاء على الحال من فاعل * (يأتون) * على معنى تركوا الاتيان أشحة، وقال الفراء: على الذم، وقيل: على الحال من ضمير * (هلم إلينا) * أو من ضمير يعوقون مضمرا، ونقل أولهما عن الطبري وهو كما ترى، وقيل: من * (المعوقين) * أو من
(١٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 ... » »»