تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ١٧٢
من أن يراد بصدقوا ما عاهدوا الله عليه كما ذكر عن الراغب حققوا العهد فيما أظهروه من أفعالهم، فيكون المعنى من المؤمنين رجال عاهدوا الله تعالى على الثبات والقتال إذا لقوا حربا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وحققوا ذلك وثبتوا فمنهم من مات ومن منهم من ينتظر الموت، والذي يقتضيه السياق أن المراد قضى نحبه ثابتا بأن يكون قد استشهد كانس بن النضر. ومصعب بن عمير، ويحتمل أن يراد ما أعم من ذلك فيدخل من مات بعد الثبات حتف انفه قبل نزول الآية إن كان هنالك من هو كذلك، وعدوا ممن ينتظر عثمان. وطلحة وأول ما ورد في طلحة من أنه ممن قضى نحبه بأن المراد أنه في حكم من استشهد، وأوجبوا ذلك فيما أخرج سعيد بن منصور. وأبو يعلى. وابن المنذر. وأبو نعيم وابن مردويه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من سره أن ينظر إلى رجل يمشي على الأرض قد قضى نحبه فلينظر إلى طلحة " وأخرج ابن مردويه من حديث جابر بن عبد الله مثله.
وفي إرشاد العقل السليم عن عائشة بلفظ " من سره أن ينظر إلى شهيد يمشي في الأرض، وقد قضى نحبه فلينظر إلى طلحة " وفي مجمع البيان عن أبي اسحق عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قال: نزلت فينا * (رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) * الآية وأنا والله المنتظر، وفي وصفهم بالانتظار المنبىء عن الرغبة في المنتظر شهادة حقه بكمال اشتياقهم إلى الشهادة، وقيل: إلى الموت مطلقا حبا للقاء الله تعالى ورغبة فيما عنده عز وجل * (وما بدلوا تبديلا) * عطف على * (صدقوا) * وفاعله أي وما بدلوا عهده وما غيروه تبديلا ما لا أصلا ولا وصفا بل ثبتوا عليه راغبين فيه مراعين لحقوقه على أحسن ما يكون، أما الذين قضوا فظاهر، وأما الباقون فيشهد به انتظارهم أصدق شهادة، وتعميم عدم التبديل للفريق الأول مع ظهور حالهم للإيذان بمساواة الفريق الثاني لهم في الحكم، وجوز أن يكون ضمير * (بدلوا) * للمنتظرين خاصة بناء على أن المحتاج إلى البيان حالهم، وفي الكلام تعريض بمن بدل من المنافقين حيث ولوا الادبار وكانوا عاهدوا لا يولون الأدبار فكأنه قيل: وما بدلوا تبديلا كما بدل المنافقون فتأمل جميع ذاك والله تعالى يتولى هداك.
* (ليجزى الله الص‍ادقين بصدقهم ويعذب المن‍افقين إن شآء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما) *.
* (ليجزي الله الص‍ادقين) * أي الذين صدقوا ما عدوا الله تعالى عليه * (بصدقهم) * أي بسبب صدقهم، وصرح بذلك مع أنه يقتضيه تعليقه الحكم بالمشتق اعتناء بأمر الصدق، ويكتفى بما يقتضيه التعليق في قوله تعالى: * (ويعذب المنافقين) * لأنه الأصل ولا داعي إلى خلافه، والمراد ويعذب المنافقين بنفاقهم * (إن شاء) * أي تعذيبهم * (أو يتوب عليهم) * أي فلا يعذبهم بل يرحمهم سبحانه إن شاء عز وجل كذا قيل، وظاهره أن كلا من التعذيب والرحمة للمنافقين يوم القيامة ولو ماتوا على النفاق معلق بمشيئته تعالى. واستشكل بأن النفاق أقبح الكفر كما يؤذن به قوله تعالى * (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار) * (النساء: 145) وقد أخبر عز وجل أنه سبحانه يعذب الكفرة مطلقا حتما لا محالة فكيف هذا التعلق. وأجيب أنه لا إشكال فإن الله جل جلاله لا يجب عليه شيء والتعليق لذلك فهو جل شأنه إن شاء عذب المنافق وإن شاء رحمه لكن المتحقق أنه تبارك وتعالى شاء تعذيبه ولم يشأ رحمته فكأنه قيل: إن شاء يعذب المنافقين في الآخرة لكنه سبحانه شاء تعذيبهم فيما أو يتوب عليهم إن شاء لكنه جل وعلا لم يشاء، ورفع مقدم الشرطية الثانية في مثل هذه القضية ينتج رفع التالي، وإنما لم تقيد مجازاة الصادقين بالمشيئة كما
(١٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 ... » »»