تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ١٦٩
فإنا لله وإنا إليه راجعون.
* (ولما رأى المؤمنون الاحزاب قالوا ه‍اذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما) *.
* (ولما رأى المؤمنون الأحزاب) * بيان لما صدر عن خلص المؤمنين عند اشتباه الشؤن واختلاط الظنون بعد حكاية ما صدر عن غيرهم أي لما شاهدوهم حسبما وصفوا لهم * (قالوا ه‍اذا) * إشارة عند المحققين إلى ما شاهدوه من غير أن يخطر ببالهم لفظ يدل عليه فضلا عن تذكيره وتأنيثه فإنهما من أحكام اللفظ نعم يجوز التذكير باعتبار الخبر الذي هو * (ما وعدنا الله ورسوله) * فإن ذلك العنوان أول ما يخظر ببالهم عند المشاهدة. وعند الأكثر إشارة إلى الخطب والبلاء، و * (ما) * موصولة عائدها محذوف وهو المفعول الثاني لوعد أي الذي وعدناه الله، وجوز أن تكون مصدرية أي هذا وعد الله تعالى ورسوله إيانا وأرادوا بذلك ما تضمنه قوله تعالى في سورة البقرة: * (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء) * (البقرة: 214) كما أخرج ذلك ابن جرير. وابن مردويه. والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وأخرجه جماعة عن قتادة أيضا ونزلت آية البقرة قبل الواقعة بحول على ما أخرجه جويبر عن الضحاك عن الحبر رضي الله تعالى عنه.
وفي البحر عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: إن الأحزاب سائرون إليكم تسعا أو عشرا أي في آخر تسع ليال أو عشر أي من وقت الأخبار أو من غرة الشهر فلما رأوهم قد اقبلوا للميعاد قالوا ذلك فمرادهم بذلك ما وعد بهذا الخبر. وتعقبه ابن حجر بأنه لم يوجد في كتب الحديث. وقرىء بإمالة الراء من * (رأي) * نحو الكسرة وفتح الهمزة وعدم امالتها، وروي إمالتهما وإمالة الهمزة دون الراء على تفصيل فيه في النشر فليراجع * (وصدق الله ورسوله) * الظاهر أنه داخل في حيز القول فجوز أن يكون عطفا على جملة * (هذا ما وعدنا) * الخ أو على صلة الموصول وهو كما ترى، وأن يكون في موضع الحال بتقدير قد أو بدونه.
وأيا ما كان فالمراد ظهر صدق خبر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم لأن الصدق محقق قبل ذلك والمترتب على رؤية الأحزاب ظهوره، وجوز أن يكون المعنى وصدق الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام في النصرة والثواب كما صدق الله تعالى ورسوله في البلاء، والإظهار مع سبق الذكر للتعظيم ولأنه لو اضمر وقيل وصدق جاء الجمع بين الله تعالى وغيره في ضمير واحد والأول تركه أو قيل وصدق هو ورسوله بقي الإظهار في مقام الإضمار فلا يندفع السؤال كذا قيل، وحديث الجمع قد مر ما فيه * (وما زادهم) * أي ما رأوا المفهوم من قوله تعالى: * (ولما رأى المؤمنون) * الخ ورجوع الضمير إلى المصدر المفهوم من * (رأي) * يعكر عليه التذكير، وأرجعه بعضهم إلى الشهود المفهوم من ذلك، وجوز رجوعه إلى الوعد أو الخطب والبلاء المفهومين من السياق أو الإشارة.
وقرأ ابن أبي هبلة * (وما زادوهم) * بضمير الجمع العائد على الأحزاب * (إلا إيمانا) * بالله تعالى وبمواعيده عز وجل * (وتسليما) * لأوامره جل شأنه وإقداره سبحانه، واستدل بالآية على جواز زيادة الإيمان ونقصه. ومن أنكر قال: إن الزيادة فيما يؤمن به لا في نفس الإيمان والبحث في ذلك مشهور وفي كتب الكلام على أبسط وجه مسطور.
* (من المؤمنين رجال صدقوا ما ع‍اهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا) *.
* (من المؤمنين) * أي المؤمنين بالاخلاص مطلقا لا الذين حكيت محاسنهم خاصة
(١٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 ... » »»