تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ١٧٠
* (رجال) * أي رجال * (صدقوا ما عاهدوا الله عليه) * من الثبات مع الرسول صلى الله عليه وسلم والمقاتلة للإعداء، وقيل: من الطاعات مطلقا ويدخل في ذلك ما ذكر دخولا أوليا، وسبب النزول ظاهر في الأول.
أخرج الإمام أحمد. ومسلم. والترمذي. والنسائي. وجماعة عن أنس قال: غاب عمى أنس بن النضر عن بدر فشق عليه وقال: أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غبت عنه لئن أراني الله تعالى مشهدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بعد ليرين الله تعالى ما أصنع فشهد يوم أحد فاستقبله سعد بن معاذ رضي الله تعالى عنه فقال: يا أبا عمرو أين؟ قال: واها لريح الجنة أجدها دون أحد فقاتل حتى قتل فوجد في جسده بضع وثمانون من ضربة وطعنة ورمية ونزلت هذه الآية: * (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) * وكانوا يرون إنها نزلت فيه وأصحابه. وفي الكشاف نذر رجال من الصحابة أنهم إذا لقوا حربا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثبتوا وقاتلوا حتى يستشهدوا أي نذروا الثبات التام والقاتل الذي يفضي بحسب العادة إلى نيل الشهادة وهم عثمان بن عفان. وطلحة بن عبيد الله. وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل. وحمزة. ومصعب بن عمير. وغيرهم. وعن الكلبي ومقاتل إن هؤلاء الرجال هم أهل العقبة السبعون أهل البيعة، وقال يزيد بن رومان: هم بنو حارثة والمعول عليه عندي ما قدمته، ومعنى * (صدقوا) * أتوا بالصدق من صدقني إذا قال الصدق، ومحل * (ما عاهدوا) * النصب إما على نزع الخافض وهو في وايصال الفعل إليه كما في قولهم صدقني سن بكرة على رواية النصب أي في سن بكره والمفعول محذوف والأصل صدقوا الله فيما عاهدوه، وإما على أنه هو المفعول الصريح.
وجعل ما عاهدوا عليه بمنزلة شخص معاهد على طريق الاستعارة المكنية وجعله مصدوقا تخييل وعلى الإسناد المجازي * (فمنهم من قضى نحبه) * تفصيل لحال الصادقين وتقسيم لهم إلى قسمين، والنحب على ما قال الراغب النذر المحكوم بوجوبه يقال: قضى فلان نحبه أي وفى بنذره. وقال أبو حيان: النذر الشيء الذي يلتزمه الإنسان ويعتقد الوفاء قال الشاعر: عشية فر الحارثيون بعدما * قضى نحيه في ملتقى القوم هوبر وقال جرير: بطخفة جالدنا الملوك وخيلنا * عشية بسطام جرين على نحب أي على أمر عظيم التزم القيامة به. وشاع قضى فلان نحبه بمعنى مات إما على أن النحب مستعار استعارة تصريحية للموت لأنه كنذر لازم في رقبة كل إنسان والقرينة حالية والقضاء ترشيح، وأما على أن قضاء النحب مستعار له.
وجوز أن يراد بالنحب في الآية النذر وأن يراد الموت، وقال بعض الأجلة يجوز أن يكون مستعارا لالتزام الموت شهيدا أما بتنزيل التزام أسبابه التي هي أفعال اختيارية للناذر منزلة التزام نفسه، وإما بتنزيل نفسه منزلة أسبابه وإيراد الالتزام عليه وهو الأنسب بمقام المدح، وجعله استعارة للموت لأنه كنذر لازم مسخ للاستعارة وإذ هاب برونقها وإخراج للنظم الكريم عن مقتضى المقام بالكلية انتهى، وفيه منع ظاهر كما لا يخفى على المنصف.
والذي يقتضيه ظاهر بعض الأخبار أن النحب هنا بمعنى النذر وقضاؤه أداؤه والوفاء به، فقد أخرج ابن أبي عاصم. والترمذي وحسنه. وابن جرير. والطبراني. وابن مردويه عن طلحة أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا لأعرابي جاهل: سله عمن قضى نحبه من هو؟ وكانوا لا يجترؤون على مسألته يوقرونه ويهابونه فسأله الأعرابي
(١٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 ... » »»