تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ١٦٦
في سبيل الله تعالى فلا يتكرر هذا مع ما سبق، والزمخشري لما ذهب إلى ما ذهب هناك، قال هنا: فإذا ذهب الخوف وحيزت الغنائم ووقعت القسمة نقلوا ذلك الشح وتلك الحالة الأولى واجترؤا عليكم وضربوكم بألسنتهم الخ، وقد سمعت ما قال بعض الأجلة في ذلك.
ويمكن أن يقال في الفرق بين هذا وما سبق: إن المراد مما سبق ذمهم بالبخل بكل ما فيه منفعة أو بنوع منه على المؤمنين ومن هذا ذمهم بالحرص على المال أو ما فيه منفعة مطلقا من غير نظر إلى كون ذلك على المؤمنين أو غيرهم وهو أبلغ في ذمهم من الأول * (أول‍ائك) * الموصوفون بما ذكر من صفات السوء * (لم يؤمنوا) * بالإخلاص فإنهم المنافقون الذين أظهروا الايمان وأبطنوا في قلوبهم الكفر * (فأحبط الله أعمالهم) * أي أظهر بطلانها لأنها باطلة منذ عملت إذ صحتها مشروط بالايمان وبالإخلاص وهم مبطنون الكفر وفي " البحر " أي لم يقبلها سبحانه فكانت كالمحبطة وعلى الوجهين المراد بالأعمال العبادات المأمور بها، وجوزأن يكون المراد بها ما عملوه نفاقا وتصنعا وإن لم يكن عبادة، والمعنى فأبطل عز وجل صنعهم ونفاقهم فلم يبق مستتبعا لمنفعة دنيوية أصلا.
وحمل بعضهم الأعمال على العبادات والإحباط على ظاهره بناء على ما روى عن ابن زيد عن أبيه قال نزلت الآية في رجل بدري نافق بعد بدر ووقع منه ما وقع فأحبط الله تعالى عمله في بدر وغيرها، وصيغة الجمع تبعد ذلك وكذا قوله تعالى: * (لم يؤمنوا) * فإن هذا كما هو ظاهر هذه الرواية قد آمن قبل، وأيضا قوله عليه الصلاة والسلام: " لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " يأبى ذلك فالظاهر والله تعالى أعلم أن هذه الرواية غير صحيحة.
* (وكان ذالك) * أي الاحباط * (على الله يسيرا) * أي هينا لا يبالي به ولا يخاف سبحانه اعتراضا عليه، وقيل: أي هينا سهلا عليه عز وجل، وتخيص يسره بالذكر مع أن كل شيء عليه تعالى يسير لبيان أن أعمالهم بالاحباط المذكور لكمال تعاضد الحكم المقتضية له وعدم مانع عنه بالكلية، وقيل: ذلك إشارة إلى حالهم من الشح ونحوه، والمعنى كان ذلك الحال عليه عز وجل هينا لا يبالي به ولا يجعله سبحانه سببا لخذلان المؤمنين وليس بذاك، والمقصود مما ذكر التهديد والتخويف.
* (يحسبون الاحزاب لم يذهبوا وإن يأت الاحزاب يودوا لو أنهم بادون فى الاعراب يسألون عن أنبآئكم ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا) *.
* (يحسبون الأحزاب لم يذهبوا) * أي هم من الجزع والدهشة لمزيد جبنهم وخوفهم بحيث هزم الله تعالى الأحزاب فرحلوا وهم يظنون أنه لم يرحلوا، وقيل: المراد هؤلاء لجبنهم يحسبون الأحزاب لم ينهزموا وقد انهزموا فانصرفوا عن الخندق راجعين إلى المدينة لذلك، وهذا إن صحت فيه رواية فذاك وإلا فالظاهر أنه مأخوذ من قوله تعالى: * (والقائلين لإخوانهم هلم إلينا) * (الأحزاب: 18) لدلالته ظاهرا على أنهم خارجون عن معسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يحثون إخوانهم على اللحاق بهم، وكون المراد هلموا إلى رأينا أو إلى مكاننا الذي هو في طرف لا يصل إليه السهم خلاف الظاهر، وكذا من قوله سبحانه: * (ولو كانوا فيكم) * على ما هو الظاهر أيضا إذ يبعد حمله على اتحاد المكان ولو في الخندق * (وإن يأت الأحزاب) * كرة ثانية * (يودوا لو أنهم بادون في الأعراب) * تمنوا أنهم خارجون إلى البد وحاصلون مع الأعراب وهم أهل العمود، وقرأ عبد الله. وابن عباس. وابن يعمر. وطلحة * (بدي) * جمع باد كغاز وغزى وليس بقياس في معتل اللام وقيام فعلة كقاض وقضاة؛ وفي رواية أخرى عن ابن عباس * (بدوا) * فعلا ماضيا، وفي رواية صاحب الإقليد * (بدي) * بوزن عدي * (يسألون) * أي كل قادم من جانب المدينة * (عن أنبائكم) * عما جرى عليكم من الأحزاب يتعرفون أحوالكم بالاستخبار لا بالمشاهدة
(١٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 ... » »»