تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ١٤٨
الروايات أن أباه سمع أنه بمكة فأتاه هو وعمه وأخوه فكان ما كان * (هو أقسط عند الله) * تعليل للأمر والضمير لمصدر ادعوا كما في قوله تعالى: * (اعدلوا هو أقرب للتقوى) * (المائدة: 8)، و * (أقسط) * أفعل تفضيل قصد به الزيادة مطلقا من القسط بمعنى العدل والمراد به البالغ في الصدق فاندفع ما يتوهم من أن المقام يقتضي ذلك الصدق لا العدل أي دعاؤكم إياهم لآبائهم بالغ في العدل والصدق وزائد فيه في حكم الله تعالى وقضائه عز وجل.
وجوز أن يكون أفعل على ما هو الشائع فيه، والمعنى أعدل مما قالوه ويكون جعله ذا عدل مع أنه زور لا عدل فيه أصلا على سبيل التهكم * (فإن لم تعلموا) * أي تعرفوا * (ءاباءهم) * فتنسبوهم إليهم * (فاخوانكم) * أي فهم إخوانكم * (في الدين ومواليكم) * أي وأولياؤكم فيه فادعوهم بالأخوة والمولوية بتأويلهما بالأخوة والولاية في الدين، وبهذا المعنى قيل لسام بعد نزول الآية مولى حذيفة وكان قد تبناه قبل، وقيل: * (مواليكم) * أي بنو أعمامكم، وقيل: معتقوكم ومخروركم وكأن دعاءهم بذلك لتطييب قلوبهم ولذا لم يؤمر بدعائهم بأسمائهم فقط.
* (وليس عليكم جناح) * أي إثم * (فيما أخطأتم به) * أي فيما فعلتموه من ذلك مخطئين جاهلين قبل النهي.
* (ول‍اكن ما تعمدت قلوبكم) * أي ولكن الجناح والإثم فيما تعمدتموه بعد النهي على أن * (ما) * في محل الجر عطفا على ما من * (فيما أخطأتم) * وتعقب بأن المعطوف المجرور لا يفصل بينه وبين ما عطف عليه، ولذا قال سيبويه في قولهم ما مثل عبد الله يقول ذلك ولا أخيه: إنه حذف المضاف من جهة المعطوف وأبقى المضاف إليه على إعرابه والأصل ولا مثل أخيه ليكون العطف على المرفوع. وأجيب بالفرق بين ما هنا والمثال وإن لا فصل فيه لأن المعطوف هو الموصول مع صلته أعني ما تعمدت على مثله أعني ما أخطأتم أو لوكن ما تعمدتم فيه الجناح على أن ما في موضع رفع على الابتداء وخبره جمل مقدرة، ونسبة التعمد إلى القلوب على حد السنبة في قوله تعالى: * (فإنه آثم قلبه) * (البقرة: 283) وكون المراد في الأول قبل النهي وفي الثاني بعده أخرجه الفريابي. وابن أبي شيبة. وابن جرير. وابن المنذر. وابن أبي حاتم عن مجاهد، وقيل: كلا الأمرين بعد النهي والخطأ مقابل العمد، والمعنى لا إثم عليكم إذ قلتم لولد غيركم يا بني على سبيل الخطأ وعدم التعمد كأن سهوتهم أو سبق لسانكم ولكن الإثم عليكم إذا قلتم ذلك متعمدين. وأخرج ابن جرير. وابن المنذر. وابن أبي حاتم عن قتادة أنه قال في الآية: لو دعوت رجلا لغير أبيه وأنت ترى أنه أبوه لم يكن عليك بأس ولكن ما تعمدت وقصدت دعاءه لغير أبيه.
وجوز أن يراد بقوله تعالى: * (وليس عليكم جناح) * الخ العفو عن الخطأ دون العمد على طريق العموم لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لست أخاف عليكم الخطأ ولكن أخاف عليكم العمد " وحديث ابن عباس قال: " قال عليه الصلاة والسلام وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما أكرهوا عليه " ثم تناول لعمومه خطأ التبني وعمده، والجملة على تقديري الخصوص والعموم واردة على سبيل الاعتراض التذييلي تأكيدا لامتثال ما ندبوا إليه مع ادماج حكم مقصود في نفسه، وجعلها بعضهم عطفا مؤولا بجملة طلبية على معنى ادعوهم لآبائهم وهو أقسط لكم ولا تدعوهم لأنفسكم متعمدين
(١٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 143 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 ... » »»