* (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا) * أي أبعد ظهور ما بينهما من التباين البين يتوهم كون المؤمن الذي حكيت أوصافه الفاضلة كالفاسق الذي ذكرت أحواله القبيحة العاطلة، وأصل الفسق الخروج من فسقت الثمرة إذا خرجت من قشرها ثم استعمل في الخروج عن الطاعة وأحكام الشرع مطلقا فهو أعم من الكفر وقد يخص به كما في قوله تعالى: * (ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون) * (النور: 55) وكما هنا لمقابلته بالمؤمن مع ما ستسمعه بعد إن شاء الله تعالى: * (لا يستوون) * التصريح به مع إفادة الإنكار لنفي المشابهة بالمرة على أبلغ وجه وآكده لزيادة التأكيد وبناء التفصيل الآتي عليه، والجمع باعتبار معنى من كما أن الإفراد فيما سبق باعتبار لفظها، وقيل: الضمير لاثنين وهما المؤمن والكافر والتثنية جمع.
* (أما الذين ءامنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلا بما كانوا يعملون) *.
* (أما الذين ءامنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى) * تفصيل لمراتب الفريقين بعد نفي استوائهما وقيل: بعد ذكر أحوالهما في الدنيا، وأضيفت الجنان إلى المأوى لأنها المأوى والمسكن الحقيقي والدنيا منزل مرتحل عنه لا محالة، وقيل: المأوى علم لمكان مخصوص من الجنان كعدن، وقيل: جنة المأوى لما روي عن ابن عباس، أنها تأوي إليها أرواح الشهداء، وروي أنها عن يمين العرش ولا يخفى ما في جعله علما من البعد وأيا ما كان فلا يبعد أن يكون فيه رمز إلى ما ذكر من تجافيهم عن مضاجعهم التي هي مأواهم في الدنيا.
وقرأ طلحة * (جنة المأوى) * بالأفراد * (نزلا) * أي ثوابا وهو في الأرض ما يعد للنازل من الطعام والشراب والصلة ثم عم كل عطاء، وانتصابه على أنه حال من * (جنات) * والعامل فيه الظرف، وجوز أن يكون جمع نازل فيكون حالا من ضمير * (الذين آمنوا) * وقرأ أبو حيوة * (نزلا) * بإسكان الزاي كما في قوله: وكنا إذا الجبار بالجيش ضافنا * جعلنا القنا والمرهفات له نزلا * (بما كانوا يعملون) * أي بسبب الذي كانوا يعملونه في الدنيا من الأعمال الصالحة على أن ما موصولة والعائد محذوف والباء سببية، وكون ذلك سببا بمقتضى فضله تعالى ووعده عز وجل فلا ينافي حديث " لا يدخل أحدكم الجنة بعمله " ويجوز أن تكون الباء للمقابلة والمعاوضة كعلى في نحو بعتك الدار على ألف درهم أي فلهم ذلك على الذي كانوا يعملونه.
* (وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلمآ أرادوا أن يخرجوا منهآ أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون) *.
* (وأما الذين فسقوا) * أي خرجوا عن الطاعة فكفروا وارتكبوا المعاصي * (فمأواهم) * أي فمسكنهم ومحلهم * (النار) * وذكر بعضهم أن المأوى صار متعارفا فيما يكون ملجأ للشخص ومستراحا يستريح إليه من الحر والبرد ونحوها فإذا أريد هنا يكون في الكلام استعارة تهكمية كما في قوله تعالى: * (فبشرهم بعذا أليم) * (آل عمران: 21)، وجوز أن يكون استعمال ذلك من باب المشاكلة لأنه لما ذكر في أحد القسمين فلهم جنات المأوى ذكر في الآخر * (فمأواهم النار) * * (كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا) * استئناف لبيان كيفية كون النار مأواهم والكلام على حد قوله تعالى: * (جدارا يريد أن ينقض) * (الكهف: 77) على ما قيل، والمعنى كلما شارفوا الخروج منها وقربوا منه أعيدوا فيها ودفعوا إلى قعرها، فقد روي أنهم يضربهم لهب النار فيرتفعون إلى أعلاها حتى إذا قربوا من بابها وأرادوا أن يخرجوا منها يضربهم اللهب فيهوون إلى قعرها وهكذا يفعل بهم أبدا، وقيل: الكلام على ظاهره إلا أن فيه حذفا أي