تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ١٥٥
قيل متعلق بمضمر مستأنف مسوق لبيان علة الأخذ المذكور وغايته أي فعل الله تعالى ذلك ليسأل الخ وقيل: متعلق بأخذنا، وتعقب بأن المقصود تذكير نفس الميثاق ثم بيان علته وغايته بيانا قصديا كما ينبىء عنه تغيير الأسلوب بالالتفات إلى الغيبة، والمراد بالصادقين النبيون الذين أخذ ميثاقهم ووضع موضع ضميرهم للإيذان من أول الأمر بأنهم صادقوا فيما سئلوا عنه وإنما السؤال لحكمة تقتضيه أي ليسأل الله تعالى يوم القيامة النبيين الذين صدقوا عهودهم عن كلامهم الصادق الذي قالوه لأقوامهم أو عن تصديق أقوامهم إياهم، وسؤالهم عليهم السلام عن ذلك على الوجهين لتبكيت الكفرة المكذبين كما في قوله تعالى: * (يوم يجمع الله الرسول فيقول ماذا أجبتم) * (المائدة: 109) أو المراد بهم المصدقون بالنبيين، والمعنى ليسأل المصدقين للنبيين عن تصديقهم إياهم فيقال: هل صدقتم؟ وقيل: يقال لهم هل كان تصديقكم لوجه الله تعالى؟ ووجه إرادة ذلك أن مصدق الصادق صادق وتصديقه صدق، وقيل: المعنى ليسأل المؤمنين الذين صدقوا عهدهم حين أشهدهم على أنفسهم عن صدقهم عندهم.
وتعقب بأنه يأباه مقام تذكير ميثاق النبيين * (وأعد للكافرين عذابا أليما) * قيل عطف على فعل مضمر متعلقا فيما قبل، وقيل: على مقدر دل عليه * (ليسأل) * كأنه قيل فأثاب المؤمنين وأعد للكافرين الخ، وقيل: على * (أخذنا) * وهو عطف معنوي كأنه قيل: أكد الله تعالى على النبيين الدعوة إلى دينه لأجل إثابة المؤمنين وأعد للكافرين الخ.
وقيل: على * (يسأل) * بتأويله بالمضارع ولا بد من ملاحظة مناسبة ليحسن العطف؛ وقيل: على مقدر وفي الكلام الاحتباك والتقدير ليسأل الصادقين عن صدقهم وأعد لهم ثوابا عظيما ويسأل الكاذبين عن كذبهم وأعد لهم عذابا أليما فحذف من كل منهما ما ثبت في الآخر، وقيل: إن الجملة حال من ضمير * (يسأل) * بتقدير قد أو بدونه، ولا يخفى أقلها تكلفا.
* (ياأيها الذين ءامنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جآءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا) *.
* (يا أيها الذين ءامنوا اذكروا نعمة الله عليكم) * شروع في ذكر قصة الأحزاب وهي وقعة الخندق، وكانت على ما قال ابن إسحاق في شوال سنة خمس، وقال مالك: سنة أربع.
والنعمة إن كانت مصدرا بمعنى الإنعام فالجار متعلق بها وإلا فهو متعلق بمحذوف وقع حالا منها أي كائنة عليكم، وقوله تعالى: * (إذ جاءتكم جنود) * ظرف لنفس النعمة أو لثبوتها لهم، وقيل: منصوب باذكر على أنه بدل اشتمال من * (نعمة) * والمراد بالجنود الأحزاب، وهم قريش يقودهم أبو سفيان، وبنو أسد يقودهم طليحة، وغطفان يقودهم عيينة، وبنو عامر يقودهم عامر بن الطفيل، وبنو سليم يقودهم أبو الأعور السلمي، وبنو النضير رؤساؤهم حيي بن أخطب وأبناء أبي الحقيق، وبنو قريظة سيدهم كعب بن أسد، وكان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فنبذه بسعي حيي، وكان مجموعهم عشرة آلاف في قول وخمسة عشر ألفا في آخر، وقيل: زهاء اثني عشر ألفا، فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بإقبالهم حفر خندقا قريبا من المدينة محيطا بها بإشارة سلمان الفارسي أعطى كل أربعين ذراعا لعشرة، ثم خرج عليه الصلاة والسلام في ثلاثة آلاف من المسلمين فضرب معسكره والخندق بينه وبين القوم، وأمر بالذراري والنساء فدفعوا في الآطام، واشتد الخوف وظن المؤمنون كل ظن ونجم النفاق كما قص الله تعالى، ومضى قريب من شهر على الفريقين لا حرب بينهم سوى الرمي بالنبل والحجارة من وراء الخندق إلا أن فوارس من قريش منهم عمرو بن عبد ود وكان يعد بألف فارس. وعكرمة بن أبي جهل. وضرار بن الخطاب. وهبيرة بن أبي وهب. ونوفل بن عبد الله قد ركبوا خيولهم وتيمموا من الخندق مكانا ضيقا فضربوا بخيولهم فاقتحموا فجالت بهم في السبخة بين الخندق وسلع فخرج علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه في نفر من المسلمين رضي الله تعالى عنهم حتى أخذ عليهم الثغرة التي اقتحموا منها فأقبلت
(١٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 ... » »»