تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ١٤٩
فتاثموا على تقدير الخصوص وجملة مستطردة على تقدير العموم وتعقب بأنه تكلف عنه مندوحة، وظاهر الآية حرمة تعمد دعوة الإنسان لغير أبيه، ولعل ذلك فيما إذا كانت الدعوة على الوجه الذي كان في الجاهلية، وأما إذا لم تكن كذلك كما يقول الكبير للصغير على سبيل التحنن والشفقة يا ابني وكثيرا ما يقع ذلك فالظاهر عدم الحرمة.
وفي " حواشي الخفاجي " على تفسير البيضاوي النبوة وإن صح فيها التأويل كالأخوة لكن نهى عنها بالتشهبية بالكفرة والنهي للتنزيه انتهى، ولعله لم يرد بهذا النهي ما تدل عليه الآية المذكورة فإن ما تدل عليه نهي التحريم عن الدعوة على الوجه الذي كان في الجاهلية، والأولى أن يقال في تعليل النهي: سدا لباب التشبه بالكفرة بالكلية، وهذا الذي ذكره الخفاجي من كراهة قول الشخص لولد غيره يا ابني حكاه لي من ارتضيه عن فتاوي ابن حجر الكبرى، وحكم التبني بقوله: هو ابني إن كان عبدا للقائل العتق على كل حال ولا يثبت نسبه منه إلا إذا كان مجهول النسب وكان بحيث يولد مثله لمثله ولم يقر قبله بنسب من غيره، وعند الشافعي لا عبر بالتنبي فلا يفيد العتق ولا ثبوت النسب، وتحقيق ذلك في موضعه، ثم الظاهر أنه لا فرق إذا لم يعرف الأب بين أن يقال يا أخي وأن يقال يا مولاي في أن كلا منهما مباح مطلقا حينئذ لكن صرح بعضهم بحرمة أن يقال للفاسق يا مولاي لخبر في ذلك، وقيل: لما أن فيه تعظيمه وهو حرام، ومقتضاه أن قول يا أخي إذا كان فيه تعظيم بأن كان من جليل الشأن حرام أيضا، فلعل الدعاء لغير معروف الأب بما ذكر مخصوص بما إذا لم يكن فاسقا ودليل التخصيص هو دليل حرمة تعظيم الفاسق فتدبر، وكذا الظاهر أنه لا فرق في أمر الدعوة بين كون المدعو ذكرا وكونه أنثى لكن لم نقف على وقوع النبني لإناث في الجاهلية والله تعالى أعلم * (وكان الله غفورا) * فيغفر للعامد إذا تاب * (رحيما) * ولذا رفع سبحانه الجناح عن المخطىء، ويعلم من الآية أنه لا يجوز انتساب الشخص إلى غير أبيه، وعد ذلك بعضهم من الكبائر لما أخرج الشيخان. وأبو داود عن سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام ".
وأخرج الشيخان أيضا " من ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله تعالى والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله تعالى منه صرفا ولا عدلا " وأخرجا أيضا " ليس منم رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلم إلا كفر ".
وأخرج الطبراني في الصغير من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وحديثه حسن قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كفر من تبرأ من نسب وأن دق أو ادعى نسبا لا يعرف " إلى غير ذلك من الأخبار، هذ ومناسبة قوله تعالى: * (ما جعل الله) * (الأحزاب: 4) الخ لما قبله أنه شروع في ذلك شيء من الوحي الذي أمر صلى الله عليه وسلم في اتباعه كذا قيل، وقيل: إنه تعالى لما أمر بالتقوى كان من حقها أن لا يكون في القلب تقوى غير الله تعالى فإن المرء ليس له قلبان يتقي بأحدهما الله تعالى وبالآخر غيره سبحانه إلا بصرف القلب عن جهة الله تعالى إلى غيره جل وعلا ولا يليق ذلك بمن يتقي الله تعالى حق تقاته، وعن أبي مسلم أنه متصل بقوله تعالى: * (ولا تطع الكافرين والمنافقين) * (الأحزاب: 1) حيث جيء به للرد عليهم، والمعنى ليس لأحد قلبان يؤمن بأحدهما ويكفر بالآخر وإنما هو قلب واحد فأما أن يؤمن وإما أن يكفر، وقيل هو متصل - بلا تطع وابتع والمعنى أنه لا يمكن الجمع بين اتباعين متضادين اتباع الوحي والقرآن
(١٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 ... » »»