تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ١٢٢
تعالى: * (إليه يصعد الكلم الطيب) * (فاطر: 10) والغرض من الألف استطالة المدة، والمعنى استقلال عبادة الخلص واستطالة مدة ما بين التدبير والوقوع، و * (ثم) * للاستبعاد، واستدل لهذا المعنى بقوله تعالى إثر ذلك: * (قليلا ما تشكرون) * (الأعراف: 10) لأن الكلام بعضه مربوط بالبعض وقلة الشكر مع وجود تلك الإنعامات دالة على الاستقلال المذكور.
وقيل: المعنى يدبر أمر الشمس في طلوعها من المشرق وغروبها في المغرب ومدارها في العالم من السماء إلى الأرض وزمان طلوعها إلى أن تغرب وترجع إلى موضعها من الطلوع مقداره في المسافة ألف سنة وهي تقطع ذلك في يوم وليلة. هذا ما قالوه في الآية الكريمة في بيان المراد منها، ولا يخفى على ذي لب تكلف أكثر هذه الأقوال ومخالفته للظاهر جدا وهي بين يديك فاختر لنفسك ما يحلو. ويظهر لي أن المراد بالسماء جهة العلو مثلها في قوله تعالى: * (أأمنتم من في السماء) * (الملك: 16) وبعروج الأمر إليه تعالى صعود خبره كما سمعت عن الجماعة و * (في يوم) * متعلق بالعروج بلا تنازع، وأقول: إن الآية من المتشابه وأعتقد أن الله تعالى يدبر أمور الدنيا وشؤونها ويريدها متقنة وهو سبحانه مستوى على عرشه وذلك هو التدبير من جهة العلو ثم يصعد خبر ذلك مع الملك إليه عز وجل إظهارا لمزيد عظمته جلت عظمته وعظيم سلطنته عظمت سلطنته إلى حكم هو جل وعلا أعلم بها وكل ذلك بمعنى لائق به تعالى مجامع للتنزيه مباين للتشبيه حسبما يقوله السلف في أمثاله، وقول بعضهم: العرش موضع التدبير وما دون موضع التفصيل وما دون السماوات موضع التصريف فيه رائحة ما مما ذكرنا، وأما تقدير يوم العروج هنا بألف سنة وفي آية أخرى بخمسين ألف سنة فقد كثر الكلام في توجيهه وقد تقدم لك بعض منه.
وأخرج عبد الرزاق. وسعيد بن منصور. وابن المنذر. وابن أبي حاتم. وابن الأنباري في المصاحف. والحاكم وصححه عن عبد الله بن أبي مليكة قال: دخلت على ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنا وعبد الله بن فيروز مولى عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه فسأله عن قوله تعالى: * (يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة) * (السجدة: 5) فكأن ابن عباس اتهمه فقال: ما يوم كان مقداره خمسين ألف سنة؟ فقال: إنما سألتك لتخبرني فقال رضي الله تعالى عنه. هما يومان ذكرهما الله تعالى في كتابه الله تعالى أعلم بهما وأكره أن أقول في كتاب الله ما لا أعلم فضرب الدهر من ضرباته حتى جلست إلى ابن المسيب فسأله عنهما إنسان فلم يخبر ولم يدر فقلت: ألا أخبرك بما سمعت من ابن عباس؟ قال: بلى فأخبرته فقال للسائل: هذا ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أبى أن يقول فيهما وهو أعلم مني.
وبعض المتصوفة يسمون اليوم المقدر بألف سنة باليوم الربوبي واليوم المقدر بخمسين ألف سنة باليوم الإلهي، ومحيي الدين قدس سره يسمى الأول يوم الرب والثاني يوم المعارج، وقد ذكر ذلك وأيا ما أخر كيوم الشأن ويوم المثل ويوم القمر ويوم الشمس ويوم زحل وأيام سائر السيارة ويوم الحمل وأيام سائر البروج في الفتوحات، وقد سألت رئيس الطائفة الكشفية الحادثة في عصرنا في كربلاء عن مسألة فكتب في جوابها ما كتب واستطرد بيان إطلاقات اليوم وعد من ذلك أربعة وستين إطلاقا، منها إطلاقه على اليوم الربوبي وإطلاقه على اليوم الإلهي وأطال الكلام في ذلك المقام، ولعلنا إن شاء الله تعالى ننقل لك منه شيئا معتدا به في موضع آخر، وسنذكر إن شاء الله تعالى أيضا تمام الكلام فيما يتعلق بالجمع بني هذه الآية وقوله سبحانه: * (تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) * (المعارج: 4) وقوله تعالى: * (مما تعدون) * صفة * (ألف) * أو صفة * (سنة) *.
وقرأ ابن أبي عبلة * (يعرج) * بالبناء للمفعول والأصل يعرج به فحذف الجار واستتر الضمير. وقرأ جناح بن حبيش * (يم يعرج الملائكة) * إليه بزيادة الملائكة قال أبو حيان: ولعله تفسير منه لسقوطه في سواد المصحف.
(١٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 ... » »»