وأما إطلاقه عليه سبحانه بمعنى الناصر مجازا فليس بممتنع، ويجوز أن يعتبر ذلك هنا وحينئذ يجوز أن يكون * (من دونه) * حالا مما بعد قدم عليه لأنه نكرة ودون بمعنى غير، والمعنى ما لكم ولي ولا ناصر غير الله تعالى، ويجوز أن يكون حالا من المجرور كما في الوجه السابق، والمعنى ما لكم إذا جاوزتم ولايته ونصرته جل وعلا ولي ولا ناصر، ويظهر لي أن التعبير بالشفيع هنا من قبيل المشاكلة التقديرية لما أن المشركين المنذرين كثيرا ما كانوا يقولون في آلهتهم هؤلاء شفعاؤنا ويزعمون أن كل واحد منها شفيع لهم * (أفلا تتذكرون) * أي ألا تسمعون هذه المواعظ فلا تتذكرون بها أو أتسمعونها فلا تتذكرون بها، فالإنكار على الأول: متوجه إلى عدم السماع وعدم التذكر معا، وعلى الثاني: إلى عدم التذكر مع تحقق ما يوجبه من السماع.
* (يدبر الامر من السمآء إلى الارض ثم يعرج إليه فى يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون) *.
* (يدبر الأمر) * قيل: أي أمر الدنيا وشؤونها، وأصل التدبير النظر في دابر الأمر والتفكر فيه ليجىء محمود العاقبة وهو في حقه عز وجل مجاز عن إرادة الشيء على وجه الإتقان ومراعاة الحكمة والفعل مضمن معنى الإنزال والجاران في قوله تعالى: * (من السماء إلى الأرض) * متعلقان به ومن ابتدائية وإلى انتهائية أي يريده تعالى على وجه الإتقان ومراعاة الحكمة منزلا له من السماء إلى الأرض، وإنزاله من السماء باعتبار أسبابه فإن أسبابه سماوية من الملائكة عليهم السلام وغيرهم * (ثم يعرج) * أي يصعد ويرتفع ذلك الأمر بعد تدبيره * (إليه) * عز وجل وهذا العروج مجاز عن ثبوته في علمه تعالى أي تعلق علمه سبحانه به تعلقا تنجيزيا بأن يعلمه جل وعلا موجودا بالفعل أو عن كتابته في صحف الملائكة عليهم السلام القائمين بأمره عز وجل موجودا كذلك * (في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون) * أي في برهة متطاولة من الزمان فليس المراد حقيقة العدد، وعبر عن المدة المتطاولة بالألف لأنها منتهى المراتب وأقصى الغايات وليس مرتبة فوقها إلا ما يتفرع منها من أعداد مراتبها، والفعلان متنازعان في الجار والمجرور وقد أعمل الثاني منهما فيه فتفيد الآية طول امتداد الزمان بين تعلق إرادته سبحانه بوجود الحوادث في أوقاتها متقنة مراعي فيها الحكمة وبين وجودها كذلك، وظاهرها يقتضي أن وجودها لا يتوقف على تعلق الإرادة مرة أخرى بل يكفي فيه التعلق السابق وقيل: * (في يوم) * متعلق بيعرج وليس الفعلان متنازعين فيه، والمراد بعروج الأمر إليه بعد تدبيره سبحانه إياه وصول خبر وجوده بالفعل كما دبر جل وعلا بواسطة الملك وعرضه ذلك في حضرة قد أعدها سبحانه للاختبار بما هو جل جلاله أعلم به إظهارا لكمال عظمته تبارك وتعالى وعظيم سلطنته جلت سلطنته؛ وهذا كعرض الملائكة عليهم السلام أعمال العباد الوارد في الأخبار، وألف سنة على حقيقتها وهي مسافة ما بين الأرض ومحدب السماء الدنيا بالسير المعهود للبشر فإن ما بين السماء والأرض خمسمائة عام وثخن السماء كذلك كما جاء في الأخبار الصحيحة والملك يقطع ذلك في زمان يسير فالكلام على التشبيه فكأنه قيل: يريد تعالى الأمر متقنا مراعي فيه الحكمة بأسباب سماوية نازلة آثارها وأحكامها إلى الأرض فيكون كما أراد سبحانه فيعرج ذلك الأمر مع الملك ويرتفع خبره إلى حضرته سبحانه في زمان هو كألف سنة مما تعدون، وقيل: العروج إليه تعالى صعود خبر الأمر مع الملك إليه عز وجل كما هو مروى عن ابن عباس. وقتادة. ومجاهد. وعكرمة. والضحاك والفعلان متنازعان في * (يوم) * والمراد أنه زمان تدبير الأمر لو دبره البشر وزمان العروج لو كان منهم أيضا