تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ١٠٩
وقرأ سمال بن حرب. وأبو حيوة * (الغرور) * بضم الغين وهو مصدر والكلام من باب جد جده، ويمكن تفسيره بالشيطان بجعله نفس الغرور مبالغة.
* (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما فى الارحام وما تدرى نفس ماذا تكسب غدا وما تدرى نفس بأى أرض تموت إن الله عليم خبير) *.
* (إن الله عنده علم الساعة) * الخ، أخرج ابن المنذر عن عكرمة أن رجلا يقال له الوارث بن عمرو جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد متى قيام الساعة؟ وقد أجدبت بلادنا فمتى تخصب؟ وقد تركت امرأتي حبلى فما تلد؟ وقد علمت ما كسبت اليوم فماذا أكسب غدا؟ وقد علمت بأي أرض ولدت فبأي أرض أموت؟ فنلزت هذه الآية، وذكر نحوه محيى السنة البغوي. والواحدي. والثعلبي فهو نظرا إلى سبب النزول جواب لسؤال محقق ونظرا إلى ما قبلها من الآية جواب لسؤال مقدر كأن قائلا يقول: متى هذا اليوم الذي ذكر من شأنه ما ذكر؟ فقيل: إن الله، ولم يقل إن علم الساعة عند الله مع أنه أخصر لأن اسم الله سبحانه أحق بالتقديم ولأن تقديمه وبناء الخبر عليه يفيد الحصر كما قرره الطيبي مع ما فيه من مزية تكرر الإسناد، وتقديم الظرف يفيد الاختصاص أيضا بل لفظ عند كذلك لأنها تفيد حفظه بحيث لا يوصل إليه فيفيد الكلام من أوجه اختصاص علم وقت القيامة بالله عز وجل، وقوله تعالى: * (وينزل الغيث) * أي في إبانه من غير تقديم ولا تأخير في بلد لا يتجاوزه به وبمقدار تقتضيه الحكمة، الظاهر أنه عطف على الجملة الظرفية المبنية على الاسم الجليل على عكس قوله تعالى: * (ونسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع) * (المؤمنون: 21) فيكون خبرا مبنيا على الاسم الجليل مثل المعطوف عليه فيفيد الكلام الاختصاص أيضا والمقصود تقييدات التنزيل الراجعة إلى العلم لا محض القدرة على التنزيل إذ لا شبهة فيه فيرجع الاختصاص إلى العلم بزمانه ومكانه ومقداره كما يشير إلى ذلك كلام الكشف، وقال العلامة الطيبي في " شرح الكشاف ": دلالة هذه الجملة على علم الغيب من حيث دلالة المقدور المحكم المتفن على العلم الشامل؛ وقوله تعالى: * (ويعلم ما في الأرحام) * أي أذكر أم أنثى أتام أم ناقص وكذلك ما سوى ذلك من الأحوال عطف على الجملة الظرفية أيضا نظير ما قبله، وخولف بين * (عنده علم الساعة) * وبين هذا ليدل في الأول على مزيد الاختصاص اعتناء بأمر الساعة ودلالة على شدة خفائها، وفي هذا على استمرار تجدد التعلقات بحسب تجدد المتعلقات مع الاختصاص، ولم يراع هذا الأسلوب فيما قبله بأن يقال: ويعلم الغيث مثلا إشارة بإسناد التنزيل إلى الاسم الجليل صريحا عظم شأنه لما فيه من كثرة المنافع لأجناس الخلائق وشيوع الاستدلال بما يترتب عليه من إحياء الأرض على صحة البعث المشار إليه بالساعة في الكتاب العظيم قال تعالى: * (وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين * فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتي) * (الروم: 49، 50) وقال سبحانه: * (ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون) * (الروم: 19) إلى غير ذلك، وربما يقال: إن لتنزيل الغيب وإن لم يكن الغيث المعهود دخلا في المبعث بناء على ما ورد من حديث مطر السماء بعد النفخة الأولى مطرا كمني الرجال، وقيل: الاختصاص راجع إلى التنزيل وما ترجع إليه تقييداته التي يقتضيها المقام من العلم، وفي ذلك رد على القائلين مطرنا بنوء كذا وللاعتناء برد ذلك لما فيه من الشرك في الربوبية عدل عن يعلم إلى * (ينزل) * وهو كما ترى، وقوله تعالى: * (وما تدري نفس) * أي كل نفس برة كانت أو فاجرة كما يدل عليه وقوع النكرة في سياق النفي * (ماذا تكسب غدا) * أي في الزمان المستقبل من خير أو شر، وقوله
(١٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 ... » »»