تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ١٢٤
لغة الأنصار قال ابن رواحة:
باسم الإله وبه بدينا * ولو عبدنا غيره شقينا * (ثم جعل نسله من سلالة من مآء مهين) *.
* (ثم جعل نسله) * أي ذريته سميت بذلك لأنها تنسل وتنفصل منه * (من سلالة) * أي خلاصة وأصلها ما يسل ويخلص بالتصفية * (من ماء مهين) * ممتهن لا يعتني به وهو المني * (ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والابص‍ار والافئدة قليلا ما تشكرون) *.
* (ثم سواه) * عدله بتكميل أعضائه في الرحم وتصويرها على ما ينبغي، وأصل التسوية جعل الأجزاء متساوية، و * (ثم) * للترتيب الرتبي أو الذكري.
* (ونفخ فيه من روحه) * أضاف الروح إليه تعالى تشريفا له كما في بيت الله تعالى وناقة الله تعالى وإشعارا بأنه خلق عجيب وصنع بديع، وقيل: إضافة لذلك إيماء إلى أن له شأنه له مناسبة ما إلى حضرة الربوبية.
ومن هنا قال أبو بكر الرازي: م عرف نفسه فقد عرف ربه، ونفخ الروح قيل: مجاز عن جعلها متعلقة بالبدن وهو أوفق بمذهب القائلين بتجرد الروح وأنها غير داخلة في البدن من الفلاسفة وبعض المتكلمين كحجة الإسلام الغزالي عليه الرحمة، وقيل: هو على حقيقته والمباشر له الملك الموكل على الرحم وإليه ذهب القائلون بأن الروح جسم لطيف كالهواء سار في البدن سريان ماء الورد في الورد والنار في الجمر، وهو الذي تشهد له ظواهر الأخبار وأقام العلامة ابن القيم عليه نحو مائة دليل.
* (وجعل لكم السمع والأبص‍ار والأفئدة) * التفات إلى الخطاب لا يخفى موقع ذكره بعد نفخ الروح وتشريفه بخلعة الخطاب حين صلح للخطاب والجعل إبداعي واللام متعلقة به، والتقديم على المفعول الصريح لما مر مرارا من الاهتمام بالمقدم والتشويق إلى المؤخر مع ما فيه من نوع طول يخل تقديمه بجزالة النظم الكريم، وتقديم السمع لكثرة فوائده فإن أكثر أمور الدين لا تعلم إلا من جهته وأفرد لأنه في الأصل مصدر.
وقيل: للإيماء إلى أن مدركه نوع واحد وهو الصوت بخلاف البصر فإنه يدرك الضوء واللون والشكل والحركة والسكون وبخلاف الفؤاد فإنه يدرك مدركات الحواس بواسطتها وزيادة على ذلك أي خلق لمنفعتكم تلك المشاعر لتعرفوا أنها مع كونها في أنفسها نعما جليلة لا يقادر قدرها وسائل إلى التمتع بسائر النعم الدينية والدنيوية الفائضة عليكم وتشكروها بأن تصرفوا كلا منها إلى ما خلق هو له فتدركوا بسمعكم الآيات التنزيلية الناطقة بالتوحيد والبعث وبأبصاركم الآيات التكوينية الشاهدة بهما وتستدلوا بأفئدتكم على حقيقتها، وقوله تعالى: * (قليلا ما تشكرون) * بيان لكفرهم بتلك النعم بطريق الاعتراض التذييلي والقلة بمعنى النفي كما ينبى عنه ما بعده.
ونصب الوصف على أنه صفة لمحذوف وقع معمولا لتشكرون أي شكرا قليلا تشكرون أو زمانا قليلا تشكرون.
واستظهر الخفاجي عليه الرحمة كون الجملة حالية لا اعتراضية.
* (وقالوا أءذا ضللنا فى الارض أءنا لفى خلق جديد بل هم بلقآء ربهم ك‍افرون) *.
* (وقالوا) * كلام مستأنف مسوق لبيان أباطيلهم بطريق الالتفات إيذانا بأن ما ذكر من عدم شكرهم تلك النعم موجب للإعراض عنهم وتعديد جناياتهم لغيرهم بطريق المباثة، وروى أن القائل أبي بن خلف فضمير الجمع لرضا الباقين بقوله * (ءاذا ضللنا في الأرض) * أي ضعنا فيها بأن صرنا ترابا مخلوطا بترابها بحيث لا نتميز منه فهو من ضل المتاع إذا ضاع أو غبنا فيها بالدفن وإن لم نصر ترابا وإليه ذهب قطرب، وأنشد قول النابغة يرثي النعمان بن المنذر:
وآب مضلوه بعين جلية * وغودر بالجولان حزم ونائل
(١٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 ... » »»