تعلق * (من رب) * بريب وفيه أنه بعيد عن المعنى المقصود، وجوز الحوفي كون * (تنزيل) * خبر مبتدأ محذوف أي المؤلف من جنس ما ذكر تنزيل الكتاب، وقال أبو حيان: الذي اختاره أن يكون * (تنزيل) * مبتدأ * (ولا ريب فيه) * اعتراض لا محل له من الإعراب و * (من رب العالمين) * الخبر وضمير * (فيه) * راجع لمضمون الجملة أعني كونه منزلا من رب العالمين لا للتنزيل ولا للكتاب كأنه قيل: لا ريب في ذلك أي في كونه منزلا من رب العالمين وهذا ما اعتمد عليه الزمخشري وذكر أنه الوجه ويشهد لوجاهته قوله تعالى:
* (أم يقولون افتراه بل هو الحق من ربك لتنذر قوما مآ أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون) *.
* (أم يقولون افتراه) * فإن قولهم هذا مفترى إنكار لأن يكون من رب العالمين أي فالأنسب أن يكون نفي الريب عما أنكروه وهو كونه من رب العالمين جل شأنه، وقيل: أي فلا بد من أن يكون مورده حكما مقصودا بالإفادة لا قيدا للحكم بنفي الريب عنه، وفيه بحث، وكذا قوله سبحانه: * (بل هو الحق من ربك) * فإنه تقرير لما قبله فيكون مثله في الشهادة ثم قال في نظم الكلام على ذلك: إنه أسلوب صحيح محكم أثبت سبحانه أولا أن تنزيله من رب العالمين وأن ذلك مما لا ريب فيه أي لا مدخل للريب في أنه تنزيل الله تعالى وهو أبعد شيء منه لأن نافي الريب ومميطه معه لا ينفك أصلا عنه وهو كونه معجزا للبشر، ثم أضرب جل وعلا عن ذلك إلى قوله تعالى: * (أم يقولون افتراه) * لأن * (أم) * هي المنقطعة الكائنة بمعنى بل والهمزة إنكارا لقولهم وتعجيبا منه لظهور عجز بلغائهم عن مثل أقصر سورة منه فهو إما قول متعنت مكابر أو جاهل عميت منه النواظر، ثم أضرب سبحانه عن الإنكار إلى إثبات أنه الحق من ربك، وفي " الكشف " أن الزمخشري بين وجاهة كون * (تنزيل الكتاب) * مبتدأ و * (لا ريب فيه) * اعتراضا و * (من رب العالمين) * خبرا بحسن موقع الاعتراض إذ ذاك ثم حسن الإنكار على الزاعم أنه مفترى مع وجود نافي الريب ومميطه ثم إثبات ما هو المقصود وعدم الالتفات إلى شغب هؤلاء المكابرة بعد التلخيص البليغ بقوله تعالى: * (بل هو الحق من ربك) * وما في إيثار لفظ * (الحق) * وتعريفه تعريف الجنس من الحسن؛ ويقرب عندي من هذا الوجه جعل * (تنزيل) * مبتدأ وجملة * (لا ريب فيه) * في موضع الحال من * (الكتاب) * و * (من رب) * خبرا فتدبر ولا تغفل، وزعم أبو عبيدة أن * (أم) * بمعنى بل الانتقالية وقال: إن هذا خروج من حديث إلى حديث وليس بشيء.
والظاهر أن * (من ربك) * في موضع الحال أي كائنا من ربك، وقيل: يجوز جعله خبرا ثانيا وإضافة الرب إلى العالمين أولا ثم إلى ضمير سيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم ثانيا بعدما فيه من حسن التخلص إلى إثبات النبوة وتعظيم شأنه علا شأنه فيه أنه عليه الصلاة والسلام العبد الجامع الذي جمع فيه ما فرق في العالم بالأسر، ووروده على أسلوب الترقي دل على أن جمعيته صلى الله عليه وسلم أتم مما لكل العالم وحق له ذلك صلوات الله تعالى وسلامه عليه * (لتنذر قوما ما ءاتياهم من نذير من قبلك) * بيان للمقصود من تنزيله فقيل لهو متعلق بتنزيل، وقيل: بمحذوف أي أنزله لتنذر الخ، وقيل: بما تعلق به * (من ربك) * * (وقوما) * مفعول أول لتنذر والمفعول الثاني محذوف أي العقاب و * (ما) * نافية كما هو الظاهر و * (من) * الأولى صلة * (ونذير) * فاعل * (أتاهم) * ويطلق على الرسول وهو المشهور وعلى ما يعمه والعالم الذي ينذر عنه عز وجل قيل: وهو المراد هنا كما في قوله تعالى: * (وأن من أمة إلا خلا فيها نذير) * (فاطر: 24).
وجوز أن يكون النذير ههنا مصدرا بمعنى الإنذار و * (من قبلك) * أي من قبل إنذارك أو من قبل زمانك متعلق بأتى والجملة في موضع الصفة لقوما، والمراد بهم قريش على ما ذهب إليه غير واحد، قال في " الكشف ": الظاهر