أنه عربي بمعنى اللين والرفق. وفسره الراغب بتذلل الإنسان في نفسه لما لا يلحق به غضاضة وهو الممدوح. ومنه الحديث " المؤمن هين لين " والظاهر بقاء المشي على حقيقته وأن المراد مدحهم بالسكينة والوقار فيه من غير تعميم. نعم يلزم من كونهم يمشون كذلك أنهم هينون لينون في سائر أمورهم بحكم العادة على ما قيل.
واختار ابن عطية أن المراد مدحهم بعدم الخشونة والفظاظة في سائر أمورهم وتصرفاتهم. والمراد أنهم يعيشون بين الناس هينين في كل أمورهم. وذكر المشي لما أنه انتقال في الأرض وهو يستدعي معاشرة الناس ومخالطتهم واللين مطلوب فيها غاية الطلب. قم قال: وأما أن يكون المراد مدحهم بالمشي وحده هونا فباطل فكم ماش هونا رويدا وهو ذنب أطلس. وقد كان صلى الله عليه وسلم يتكفا في مشيه كإنما يمشي في صبب وهو عليه الصلاة والسلام الصدر في هذه الآية. وفيه بحث من وجهين فلا تغفل. وقرأ اليماني. والسلمي * (يمشون) * مبنيا للمفعول مشددا * (وإذا خاطبهم الجاهلون) * أي السفهاء وقليلو الأدب كما في قوله: ألا لا يجهلن أحد علينا * فنجهل فوق جهل الجاهلينا * (قالوا سلاما) * بيان لحالهم في المعاملة مع غيرهم إثر بيان حالهم في أنفسهم أو بيان لحسن معاملتهم. وتحقيق للينهم عند تحقق ما يقتضي خلاف ذلك إذا خلى الإنسان وطبعه أي إذا خاطبوهم بالسوء قالوا تسلما منكم ومتاركة لا خير بيننا وبينكم ولا شر. فسلاما مصدر أقيم مقام التسليم وهو مصدر مؤكد لفعله المضمر. والتقدير نتسلم تسلما منكم. والجملة مقول القول. وإلى هذا ذهب سيبويه في اكلتاب ومنع أن يراد السلام المعروف بأن الآية مكية والسلام في النساء وهي مدنية ولم يؤمر المسلمون بمكة أن يسلموا على المشركين.
وقال الأصم: هو سلام توديع لا تحية كقول إبراهيم عليه السلام لأبيه * (سلام عليك) * ولا يخفى أنه راجع إلى المتاركة وهو كثير في كلام العرب. وقال مجاهد: المراد قالوا قولا سديدا.
وتعقب بأن هذا تفسير غير سديد لأن المراد ههنا يقولون هذه اللفظة لا أنه يقولون قولا ذا سداد بدليل قوله تعالى: * (سلام عليكم) * لا نبتغي الجاهلين. ورده صاحب الكشف بأن تلك الآية لا تخالف هذا التفسير فإن قولهم. سلام عليكم من سداد القول أيضا كيف والظاهر أن خصوص اللفظ غير مقصود بل هو أو ما يؤدي مؤداه أيضا من كل قول يدل على المتاركة مع الخلو عن الإثم واللغو وهو حسن لا غبار عليه.
وفي بعض التواريخ كما في البحر أن إبراهيم بن المهدي كان منحرفا عن علي كرم الله تعالى وجهه فرآه في النوم قد تقدم إلى عبور قنطرة فقال له: إنما تدعى هذا الأمر بامرأة ونحن أحق به منك فحكى ذلك على المأمون ثم قال: ما رأيت له بلاغة في الجواب كما يذكر عنه فقال له المأمون: فما أجابك به قال: كان يقول لي: سلاما سلاما فقال المأمون: يا عم قد أجابك بابلغ جواب ونبهه على هذه الآية فخزي إبراهيم واستحي عليه من الله تعالى ما يستحق، والظاهر أن المراد مدحهم بالأغضاء عن السفهاء وترك مقابلتهم في الكلام ولا تعرض في الآية لمعاملتهم مع الكفرة فلا تنافي آية القتال ليدعي نسخها بها لأنها مكية وتلك مدنية. ونقل عن أبي العالية واختاره ابن عطية أنها نسخت بالنظر إلى الكفرة بآية القتال. [بم وقوله تعالى:
* (والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما) * * (والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما) * بيان لحالهم في معاملتهم مع ربهم. وكان الحسن إذا قرأ ما تقدم يقول: هذا وصف نهارهم وإذا قرأ هذه قال: هذا وصف ليلهم والبيتوتة أن يدركك الليل