تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٩ - الصفحة ٤٠
والعائد محذوف. وأصل الجملة المشتملة عليه ما أشرنا إليه. ثم صار تأمرنا بسجوده ثم تأمرنا سجوده كأمرتك الخير ثم تأمرناه بحذف المضاف ثم تأمرنا. واعتبار الحذف تذريجا مذهب أبي الحسن. ومذهب سيبويه أنه حذف كل ذلك من غير تدريج، ويحتمل أن تكون ما نكرة موصوفة وأمر العائد على ما سمعت. ويجوز أن تكون مصدرية واللام تعليلية والمسجود له محذوف أو متروك أي أنسجد له لأجل أمرك إيانا أو أنسجد لأجل أمرك إيانا.
وقرأ ابن مسعود. والأسود بن زيد. وحمزة. والكسائي * (يأمرنا) * بالياء من تحت على أن الضمير للنبي صلى الله عليه وسلم وهذا القول قول بعضهم لبعض * (وزادهم) * أي الأمر بالسجود للرحمن. والإسناد مجازي. والجملة معطوفة على * (قالوا) * أي قالوا ذلك وزادهم * (نفورا) * عن الايمان وفي اللباب أن فاعل * (زادهم) * ضمير السجود لما روى أنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله تعالى عنهم سجدوا فتباعدوا عنهم مستهزئين، وعليه فليست معطوفة على جواب إذا بل على مجموع الشرط والجواب كما قيل: وفي - لا يستقدمون - من قوله تعالى: * (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) * (الأعراف: 34) والأول أولى وأظهر.
* (تبارك الذى جعل فى السمآء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا) * * (تبارك الذي جعل في السماء بروجا) * الظاهر أنها البروج الإثنا عشر المعروفة. وأخرج ذلك الخطيب في كتاب النجوم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وهي في الأصل القصور العالية وأطلقت عليها على طريق التشبيه لكونها للكواكب كالمنازل الرفيعة لساكنيها ثم شاع فصار حقيقة فيها، وعن الزجاج أن البرج كل مرتفع فلا حاجة إلى التشبيه أو النقل. واشتقاقه من التبرج بمعنى الظهور، والذي يقتضيه مشرب أهل الحديث أنها في السماء الدنيا ولا مانع منه عقلا لا سيما إذا قلنا بعظم ثخنها بحيث يسع الكواكب وما تقتضيه على ما ذكره أهل الهيئة وهي عندهم أقسام الفلك الأعظم المسمى على ما قيل بالعرش ولم يرد فيما أعلم إطلاق السماء عليه وإن كان صحيحا لغة سميت بأسماء صور من الثوابت في الفلك الثامن وقعت في محاذاتها وقت اعتبار القسمة وتلك الصور متحركة بالحركة البطيئة كسائر الثواب، وقد قارب في هذه الأزمان أن تخرج كل صورة عما حاذته أولا وابتداؤها عندهم من نقطة الاعتدال الربيعي وهي نقطة معينة من معدل النهار لا تتحرك بحركة الفلك الثامن ملاقية لنقطة أخرى من منقطة البروج تتحرك بحركته وإذا لم يتحرك مبدأ البروج بتلك الحركة لم يتحرك ما عداها، وقد جعل الله تعالى ثلاثة منها ربيعية وهي الحمل. والثور. والجوزاء وتسمى التوأمين أيضا، وثلاثة صيفية وهي السرطان. والأسد والسنبلة وتسمى العذراء أيضا وهذه الستة شمالية. وثلاثة خريفية وهي الميزان. والعقرب. والقوس ويسمى الرامي أيضا، وثلاثة شتوية وهي الجدي. والدلو. ويسمى الدالي وساكب الماء أيضا. والحوت تسمى السمكتين وهذه الستة جنوبية، ولحلو الشمس في كل من الأثني عشر يختلف الزمان حرارة وبرودة الليل والنهار طولا وقصرا وبذلك يظهر بحكم جري العادة في عالم الكون والفساد آثار جليلة من نضج الثمار وإدراك الزروع ونحو ذلك مما لا يخفى، ولعل ذلك هو وجه البركة في جعلها.
وأما ما يزعمه أهل الأحكام من الآثار إذا كان شيء منها طالعا وقت الولادة أو شروع في عمل من الأعمال أو وقت حلول الشمس نقطة الحمل الذي هو مبدأ السنة الشمسية في المشهور فهو محض ظن ورجم بالغيب وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام في ذلك مفصلا، ولهم في تقسيمها إلى مذكر ومؤنث وليلي ونهاري وحار
(٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 ... » »»