تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٩ - الصفحة ٤٣
هذين المعنيين أو للتخيير على معنى الاستقلال بكل ولا منع من الاجتماع. وفائدة هذا الأسلوب إفادة الاستقلال ولو ذكر الواو بدلها لتوهم المعية، ولعل في التعبير أولا بأن والفعل دون المصدر الصريح كما في الشق الثاني مع أنه أخصر إيماء إلى الاعتناء بأمر التذكر فتذكر.
وقرأ أبي بن كعب * (أن يتذكر) * وهو أصل ليذكر فابدل التاء ذالا وأدغم. وقرأ النخعي. وابن وثاب. وزيد بن علي. وطلحة. وحمزة * (أن يذكر) * مضارع ذكر الثلاثي بمعنى تذكر.
* (وعباد الرحم‍ان الذين يمشون على الارض هونا وإذا خاطبهم الج‍اهلون قالوا سلاما) * * (وعباد الرحم‍ان) * كلام مستأنف لبيان أوصاف خاص عباد الله تعالى وأحوالهم الدنيوية والأخروية بعد بيان حال النافرين عن عبادته سبحانه والسجود له عز وجل وإضافتهم إلى الرحمن دوي غيره من أسمائه تعالى وضمائره عز وجل لتخصيصهم برحمته أو لتفضيلهم على من عداهم لكونهم مرحومين منعما عليهم كما يفهم من فحوى الإضافة إلى مشتق. وفي ذلك أيضا تعريض بمن قالوا: وما الرحمن؟ والأكثرون أن عبادا هنا جمع عبد، وقال ابن بحر: جمع عابد كصاحب وصحاب وراجل ورجال ويوافقه قراءة اليماني * (عباد) * بضم العين وتشديد الباء فإنه جمع عابد بالإجماع وهو على هذا من العبادة وهي أن يفعل ما يرضاه الرب وعلى الأول من العبودية وهي أن يرضى ما يفعله الرب، وقال الراغب: العبودية إظهار التذلل والعبادة أبلغ منها لأنها غاية التذلل. وفرق بعضهم بينهما بأن العبادة فعل المأمورات وترك المنهيات رجاء الثواب والنجاة من العقاب بذلك والعبودية فعل المأمورات وترك المنهيات لا لما ذكر بل لمجرد إحسان الله تعالى عليه. قيل: وفوق ذلك العبودة وهو فعل وترك ما ذكر لمجرد أمره سبحانه ونهيه عز وجل واستحقاقه سبحانه الذاتي لأن يعظم ويطاع، وإليه الإشارة بقوله تعالى: * (فصل لربك) * وقرأ الحسن * (وعبد) * بضم العين والباء. وهو كما قال الأخفش جمع عبد كسقف وسقف. وأنشد: أنسب العبد إلى آبائه * اسود الجلدة من قوم عبد وهو على كل حال مبتدأ وفي خبره قولان. الأول أنه ما في آخر السورة الكريمة من الجملة المصدرة باسم الإشارة، والثاني وهو الأقرب أنه قوله تعالى: * (الذين يمشون على الأرض هونا) * والهون مصدر بمعنى اللين والرفق. ونصبه إما على أنه نعت لمصدر محذوف أي مشيا هونا أو على أنه حال من ضمير * (يمشون) * والمراد يمشون هينين في تؤدة وسكينة ووقار وحسن سمت لا يضربون بأقدامهم ولا يخفقون بنعالهم أشرا وبطرا، وروي نحو هذا عن ابن عباس. ومجاهد. وعكرمة. والفصيل بن عياض. وغيرهم، وعن الإمام أبني عبد الله رضي الله تعالى عنه أن الهون مشى الرجل بسجيته التي جبل عليها لا يتكلف ولا يتبختر. شوأخرج الآمدي في " شرح ديوان الأعشى " بسنده عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه رأى غلاما يتبختر في مشيته فقال له: إن البخترة مشية تكره إلا في سبيل الله تعالى. وقد مدح الله تعالى أقواما بقوله سبحانه: * (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا) * فاقصد في مشيتك. وقيل: المشي الهون مقابل السريع وهو مذموم. فقد أخرج أبو نعيم في الحلية عن أبي هريرة. وابن النجار عن ابن عباس قالا: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن ".
وأخرج ابن أبي حاتم عن ميمون بن مهران إن * (هونا) * بمعنى حلماء بالسريانية فيكون حالا لا غير. والظاهر
(٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 ... » »»