تكون عليه وكيلا) * (الفرقان: 43) وذنب بدلائل القدرة والنعمة والرحمة دلالة على أنهم لا ينفع فيهم الاحتشاد وأنهم يغمطون مثل هذه النعم ويغفلون عن عظمة موجدها سبحانه وجعلوا كالأنعام وأضل وختم بأنه ليس لهم مراد إلا كفور نعمته تعالى، قيل: * (ولو شئنا) * على معنى أنا عظمناك بهذا الأمر لتستقل بأعبائه وتحوز ما ادخر لك من جنس جزائه فعليك بالمجاهدة والمصابرة ولا عليك من تلقيهم الدعوة بالإباء والمشاجرة وبولغ فيه فجعل حرصه صلى الله عليه وسلم على إيمان هؤلاء المطبوع على قلوبهم طاعة لهم، وقيل: فلا تطعهم. ومدار السورة على ما ذكره الطيبي على كونه صلى الله عليه وسلم مبعوثا على الناس كافة ينذرهم ما بين أيديهم وما خلفهم ولهذا جعل براعة استهلالها * (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا) * (الفرقان: 1) والآية على ما سمعت متعلقة بقوله تعالى: * (أفرأيت) * إلى آخر الآيات، وفيها من التنويه بشأنه عليه الصلاة والسلام ما فيها وليست مسوقة للتأديب كما وهم. وقيل: هي متعلقة بما عندها على معنى ولو شئنا لقسمنا النذير بينهم، كما قسمنا المطر بينهم ولكنا نفعل ما هو الأنفع لهم في دينهم ودنياهم فبعثناك إليهم كافة فلا تطع الخ، وفيه من الدلالة على قصور النظر ما فيه. هذا وجوز أن يكون ضمير * (به) * عائدا على ترك طاعتهم المفهوم من النهي ولعل الباء حينئذ للملابسة والمعنى وجاهدهم بما ذكر من أحكام القرآن الكريم ملابسا ترك طاعتهم كأنه قيل: وجاهدهم بالشدة والعنف لا بالملائمة والمداراة كما في قوله تعالى: * (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم) * (التحريم: 9) وإلا ورد عليه أن مجرد ترك الطاعة يتحقق بلا دعوة أصلا وليس فيه شائمة الجهاد فضلا عن الجهاد الكبير، وجوز أيضا أن يكون لما دل عليه قوله عز وجل: * (ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا) * من كونه صلى الله عليه وسلم نذير كافة القرى لأنه لو بعث في كل قرية نذيرا لوجب على كل نذير مجاهدة قريته فاجتمعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك المجاهدات كلها فكبر من أجل ذلك جهاده وعظم فقيل له عليه الصلاة والسلام: وجاهدهم بسبب كونك نذير كافة القرى جهادا كبيرا جامعا لكل مجاهدة. وتعقب بأن بيان سبب كبر المجاهدة بحسب الكمية ليس فيه مزيد فائدة فإنه بين بنفسه وإنما اللائق بالمقام بيان سبب كبرها وعظمها في الكيفية، وجوز أبو حيان أن يكون الضمير للسيف.
وأنت تعلم أن السورة مكية ولم يشرع في مكة الجهاد بالسيف، ومع هذا لا يخفى ما فيه، ويستدل بالآية على الوجه المأثور على عظم جهاد العلماء لأعداء الدين بما يوردون عليهم من الأدلة وأوفرهم حظا المجاهدون بالقرآ منهم.
* (وهو الذى مرج البحرين هاذا عذب فرات وهاذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا) * * (وهو الذي مرج البحرين) * أي أرسلهما في مجاريهما كما يرسل الخيل في المرج كما روى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، ويقال في هذا أمرج أيضا على ما قيل إلا أن مرج لغة الحجاز وأمرج لغة نجد.
وأصل المرج كما قال الراغب: الخلط، ويقال: مرج أمرهم أي اختلط، وسمي المرعى مرجا لاختلاط النبات فيه، والمراد بالبحرين الماء الكثير العذب والماء الكير الملح من غير تخصيص ببحرين معينين، وهذا رجوع إلى ما تقدم من ذكر الأدلة، وقوله تعالى: * (هاذا عذب فرات) * الخ أي شديد العذوبة ووزنه فعال من فرته وهو مقلوب من رفته إذا كسره لأنه يكسر سورة العطش ويقمعها، وقيل؛ هو البارد كما في " مجمع البيان " إما استئناف أو حال بتقدير القول أي يقال فيهما هذا عذب فرات * (وهذا ملح أجاج) * وقيل: هي حال من