تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٩ - الصفحة ٥٥
قال تعالى: * (ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم) * (النساء: 147)، وقيل: المعنى ما يعبأ بعذابكم لولا دعاؤكم إياه تعالى وتضرعكم إليه في الشدائد كما قال تعالى: * (فإذا) * ركبوا في الفلك دعوا الله) * (العنكبوت: 65) وقال سبحانه: * (فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون) * (الأنعام: 42)، وقيل: المعنى ما خلقكم سبحانه وله إليكم حاجة إلا أن تسألوه فيعطيكم وتستغفروه فيغفر لكم، وروي هذا عن الوليد بن الوليد رضي الله تعالى عنه.
وأنت تعلم أن ما آثره الزمخشري لا ينافي كون الخطاب لقريش من حيث المعنى فقد خصص بهم في قوله تعالى: * (فقد كذبتم) *. * (فسوف يكون لزاما) * أي جزاء التكذيب أو أثره لازما يحيق بكم حتى يكبكم في النار كما يعرب عنه الفاء الدالة على لزوم ما بعدها لما قبلها فضمير * (يكون) * لمصدر الفعل المتقدم بتقدير مضاف أو على التجوز، وإنما لم يصرح بذلك للإيذان بغاية ظهوره وتهويل أمره وللتنبيه على أنه مما لا يكتنهه البيان.
وقيل: الضمير للعذاب، وقد صرح به من قرأ * (يكون العذاب لزاما) *، وصح عن ابن مسعود أن اللزام قتل يوم بدر، وروي عن أبي. ومجاهد. وقتادة. وأبي مالك ولعل إطلاقه على ذلك لأنه لوزم فيه بين القتلى * (لزاما) *.
وقرأ ابن جريج تكون بتاء التأنيث على معنى تكون العاقبة، وقرأ المنهال، وأبان بن ثعلب. وأبو السمال * (لزاما) * بفتح اللام مصدر لزم يقال: لزم لزوما ولزاما كثبت ثبوتا وثباتا، ونقل ابن خالويه عن أبي السمال * (لزاما) * على وزن حذام جعله مصدرا معدولا عن اللزمة كفجار المعدول عن الفجرة والله تعالى أعلم هذا.
ومن باب الإشارة: قيل في قوله تعالى: * (وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق) * (الفرقان: 7) إشارة قصور حال المنكرين على أولياء الله تعالى حيث شاركوهم في لوازم البشرية من الأكل والشرب ونحوهما وقالوا في قوله تعالى: * (وجعلنا بعضكم لبعض فتنة) * (الفرقان: 20) إن وجه فتنته النظر إليه نفسه والغفلة فيه عن ربه سبحانه، ويشعر هذا بأن كل ما سوى الله تعالى فتنة من هذه الحيثية.
وقال ابن عطاء في قوله تعالى: * (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا) * (الفرقان: 23) أطلعناهم على أعمالهم فطالعوها بعين الرضا فسقطوا من أعيننا بذلك وجعلنا أعمالهم هباء منثورا، وهذه الآية وإن كانت في وصف الكفار لكن في الحديث أن في المؤمنين من يجعل عمله هباء كما تضمنته، فقد أخرج أبو نعيم في الحلية والخطيب في المتفق والمفترق عن سالم مولى أبي حذيفة قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليجاءن يوم القيامة بقوم معهم حسنات مثل جبال تهامة حتى إذا جىء بهم جعل الله تعالى أعمالهم هباء ثم قذفهم في النار، قال سالم: بأبي وأمي يا رسول الله حل لنا هؤلاء القوم قال: كانوا يصومون ويصلون ويأخذون هنئة من الليل ولكن كانوا إذا عرض عليهم شيء من الحرام وثبوا عليه فادحض الله تعالى أعمالهم " وذكر في قوله تعالى: * (ويوم يعض الظالم) * (الفرقان: 27) الآية أن حكمه عام في كل متحابين على معصية الله تعالى.
وعن مالك بن دينار نقل الأحجار مع الأبرار خير من أكل الخبيص مع الفجار، وفي قوله تعالى: * (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين) * (الفرقان: 31) أنه يلزم من هذا مع قولهم كل ولي على قدم نبي أن يكون لكل ولي عدو يتظاهر بعدواته، وفيه إشارة إلى سوء حال من يفعل ذلك مع أولياء الله تعالى. ولذا قيل: إن عداوتهم علامة سوء الخاتمة والعياذ بالله تعالى، وفي قوله تعالى: * (الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم) * (الفرقان: 34) إشارة إلى أنهم كانوا متوجهين إلى جهة الطبيعة ولذا حشروا منكوسين، وفي قوله تعالى: * (أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون
(٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 ... » »»