تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٩ - الصفحة ١٦١
بالموصولين، وأيا ما كان فالمراد بذلك بشارة موسى عليه السلام، والمراد بقوله تعالى على ما قيل: * (وسبحان الله رب العالمين) * تعجيب له عليه السلام من ذلك وإيذان بأن ذلك مريده ومكونه رب العالمين تنبيها على أن الكائن من جلائل الأمور وعظائم الشؤون، ومن أحكام تربيته تعالى للعالمين أو خبر له عليه السلام بتنزيهه سبحانه لئلا يتوهم من سماع كلامه تعالى التشبيه بما للبشر أو طلب منه عليه السلام لذلك.
وجوز أن يكون تعجيبا صادرا منه عليه السلام بتقدير القول أي وقال سبحان الله الخ، وقال السدي: هو من كلام موسى عليه السلام قاله لما سمع النداء من الشجرة تنزيها لله تعالى عن سمات المحدثين، وكأنه على تقدير القول أيضا، وجعل المقدر عطفا على * (نودي) *. وقال ابن شجرة: هو من كلام الله تعالى ومعناه وبورك من سبح الله تعالى رب العالمين " وهذا بعيد من دلالة اللفظ جدا، وقيل: هو خطاب لنبينا صلى الله عليه وسلم مراد به التنزيه وجعل معترضا بين ما تقدم وقوله تعالى:
* (ياموسى إنه أنا الله العزيز الحكيم) * * (يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم) * فإنه متصل معنى بذلك والضمير للشأن، وقوله سبحانه: * (أنا الله) * مبتدأ وخبر و * (العزيز الحكيم) * نعتان للاسم الجليل ممهدتان لما أريد إظهاره على يده من المعجزة أي أنا الله القوي القادر على ما لا تناله الأوهام من الأمور العظام التي من جملتها أمر العصا واليد الفاعل كل ما أفعله بحكمة بالغة وتدبير رصين، والجملة خبران مفسرة لضمير الشأن.
وجوز أن يكون الضمير راجعا إلى ما دل عليه الكلام وهو المكلم المنادي و * (أنا) * خبر أي إن مكلمك المنادي لك أنا، والاسم الجليل عطف بيان لأنا، وتجوز البدلية عند من جوز إبدال الظاهر من ضمير المتكلم بدل كل، ويجوز أن يكون * (أنا) * توكيدا للضمير و * (الله) * الخبر. وتعقب أبو حيان إرجاع الضمير للمكلم المنادي بأنه إذا حذف الفاعل وبنى فعله للمفعول لا يجوز عود ضمير على ذلك المحذوف لأنه نقض للغرض من حذفه والعزم على أن لا يكون محدثا عنه، وفيه أنه لم يقل أحد أنه عائد على الفاعل المحذوف بل على ما دل عليه الكلام ولو سلم فلا امتناع في ذلك إذا كان في جملة أخرى؛ وأيضا قوله والعزم على أن لا يكون محدثا عنه غير صحيح لأنه قد يكو محدثا عنه ويحذف للعلم به وعدم الحاجة إلى ذكره، ثم إن الحمل مفيد من غير رؤية لأنه عليه السلام علمه سبحانه علم اليقين بما وقر في قلبه فكاأنه رآه عز وجل، هذا وفي قوله تعالى: * (أن بورك من في النار) * (النمل: 8) الخ أقوال أخر، الأول: أن المراد بمن في النار نور الله تعالى وبمن حولها الملائكة عليهم السلام وروى ذلك عن قتادة. والزجاج.
والثاني: أن المراد بمن في النار الشجرة التي جعلها الله محلا للكلام وبمن حولها الملائكة عليهم السلام أيضا ونقل هذا عن الجبائي وفي ما ذكر إطلاق * (من) * على غير العالم.
والثالث: ما أخرجه ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس. قال في قوله تعالى: * (أن بورك من في النار) * يعني تبارك وتعالى نفسه كان نور رب العالمين في الشجرة ومن حولها يعني الملائكة عليهم السلام، واشتهر عنه كون المراد بمن في النار نفسه تعالى وهو مروي أيضا عن الحسن. وابن جبير. وغيرهما كما في " البحر ". وتعقب ذلك الإمام بأنا نقطع بأن هذه الرواية عن ابن عباس موضوعة مختلقة.
وقال أبو حيان: إذا ثبت ذلك عن ابن عباس ومن ذكر أول حذف أي بورك من قدرته وسلطانه في النار، وذهب الشيخ إبراهيم الكوراني في رسالته تنبيه العقول على تنزيه الصوفية عن اعتقاد التجسيم والعينية والاتحاد والحلول
(١٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 ... » »»