تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٩ - الصفحة ١٦٦
والظاهر أنهم أرادوا بمن من أراده الجماعة؛ وفي اتصاله على ما سمعت خفاء. وربما يقال: إن من يطلق الاتصال عليه في رأي الجماعة يكتفي في الاتصال بمجرد كون المستثني من جنس المستثنى منه فإن كفى فذاك وإلا يلتزم إثبات الخوف ويجعل * (بدل) * عطفا على مستأنف محذوف كأنه قيل: إلا من فرطت منه صغيرة فإن يخاف فمن فرط ثم تاب غفر له فلا يخاف.
وحاصله إلا من ظلم فإنه يخاف أولا ويزول عنه الخوف بالتوبة آخرا، وعن الفراء في رواية أخرى عنه أنه استثناء متصل من جملة محذوفة والتقدير وإنما يخاف غيرهم إلا من ظلم. ورده النحاس بأن الاستثناء من محذوف لا يجوز ولو جاز هذا الجاز أن يقال: لا تضرب القوم إلا زيدا على معنى وإنما أضرب غيرهم إلا زيدا وهذا ضد البيان والمجيء بما لا يعرف معناه انتهى وهو كما قال. ولا يجدي نفعا القول باعتبار مفهوم المخالفة. وقالت فرقة: إن إلا بمعنى الواو والتقدير ولا من ظلم الخ.
وتعقبه في " البحر " بأنه ليس بشيء للمباينة التامة بين إلا والواو فلا تقع أحدهما موقع الآخري. وحسن الظن يجوز أنهم لم يصرحوا بكون إلا بمعنى الواو وإنما فهم من نسبه إليه من تقديرهم وهو يحتمل أن يكون تقدير معنى لا إعراب فلا تغفل، والظاهر انقطاع الاستثناء، ولعل الأوفق بشأن المرسلين أن يراد بمن ظلم من ارتكب ذنبا كبيرا أو صغيرا من غيرهم، و * (ثم) * يحتمل أن تكون للتراخي الزماني فتفيد الآية المغفرة لمن يدل على الفور من باب أولى، ويحتمل أن تكون للتراخي الرتبي وهو ظاهر بين الظلم والتبديل المذكور. والتبديل قد يتعدى إلى مفعولين بنفسه نحو * (بدلناهم جلودا غيرها) * (النساء: 56) وقد يتعدى إلى أحدهما بنفسه وإلى الآخر بالباء أو بمن وهو المذهوب به والمبدل منه نحو بدله بخوفه أو من خوفه أمنا وقد يتعدى إلى واحد نحو بدلت الشيء أي غيرته. * (ومنه) * فمن بدله بعدما سمعه والمعنى هنا على المتعدي إلى مفعولين. وقد تعدى إلى أحدهما وهو المبدل منه بالباء أو بمن فكأنه قيل: ثم بدل بظلمه أو من ظلمه حسنا. ويشير إليه قوله تعالى: * (بعد سوء) * وحاصله ثم ترك الظلم وأتى بحسن، والمراد به التوبة. فيكون المعنى في الآخرة إلا من ظلم ثم تاب وعدل عنه إلى ما في النظم الجليل لأنه أوفق بمقام الإيناس كذا قيل، والظاهر عليه إن إسناد التبديل إلى من ظلم حقيقي، وقيل: إن المعنى ثم رفع الظلم والسوء ومحاه من صحيفة أعماله ووضع مكانه الحسن بسبب توبته نظير ما في قوله تعالى: * (يبدل الله سيآتهم حسنات) *، وإسناد التبديل إلى من ظلم على هذا مجازي لأنه سبب لتبديل الله تعالى له بتوبته، وكأني بك تختار الأول، ومحل * (من) * على كل من تقديري انقطاع الاستثناء واتصاله ظاهر. والظاهر أنها موصولة في التقديرين. ولا يخفى إنها إذا اعتبرت منصوبة المحل على الاستثناء أو مرفوعته على البدل تكون جملة * (فإني) * الخ مستأنفة. ومن قدر في الكلام محذوفا وعطف عليه * (بدل) *، وقال: التقدير من ظلم ثم بدل جعل الجملة خبر من، وجوز بعضهم أن تكون شرطية وجملة * (فإني) * الخ جوابها فتأمل ولا تغفل. وقرأ أبو جعفر. وزيد بن أسلم * (ألا من ظلم) * بفتح الهمزة وتخفيف اللام على * (ألا) * حرف استفتاح. وجعل أبو حيان * (من) * على هذه القراءة شرطية ولا أراه واجبا. وقرأ محمد بن عيسى الأصبهاني * (حسني) * على وزن فعلي ممنوع الصرف. وقرأ ابن مقسم * (حسنا) * بضم الحاء والسين منونا.
وقرأ مجاهد. وأبو حيوة. وابن أبي علي. والأعمش. وأبو عمرو في رواية الجعفي. وعصمة. وعبد الوارث. وهرون. وعياش * (حسنا) * بفتح الحاء والسين مع التنوين.
* (وأدخل يدك فى جيبك تخرج بيضآء من غير سوء فى تسع ءاي‍ات إلى فرعون وقومه إنهم كانوا قوما فاسقين) * * (وأدخل يدك في جيبك) * أي جيب
(١٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 ... » »»