هند وزيد، وقوله تعالى:
* (هدى وبشرى للمؤمنين) * * (هدى وبشرى) * في حيز النصب على الحالية من * (آيات) * على إقامة المصدر مقام الفاعل فيه للمبالغة كأنها نفس الهدى والبشارة، والعامل معنى الإشارة وهو الذي سمته النحاة عاملا معنويا.
وجوز أبو البقاء على قراءة الرفع في * (كتاب) * كون الحال منه ثم قال: ويضعف أن يكون من المجرور ويجوز أن يكون حالا من الضمير في * (مبين) * على القراءتين، وجوز أبو حيان كون النصب على المصدرية أي تهدي هدى وتبشر بشرى أو الرفع على البدلية من * (آيات) *، واشتراط الكوفيين في إبدال النكرة من المعرفة شرطين اتحاد اللفظ وأن تكون النكرة موصوفة نحو قوله تعالى: * (لنسفعا بالناصية * ناصية كاذبة) * (العلق: 15، 16) غير صحيح كما في شرح التسهيل لشهادة السماع بخلافه أو على أنه خبر بعد خبر لتلك أو خبر لمبتدأ محذوف أي هي هدى وبشرى * (للمؤمنين) * يحتمل أن يكون قيدا للهدى والبشرى معا، ومعنى هداية الآيات لهم وهم مهتدون أنها تزيدهم هدى قال سبحانه: * (فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون) * (التوبة: 124) وأما معنى تبشيرها إياهم فظاهر لأنها تبشرهم برحمة من الله تعالى ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم كذا قيل، وفي " الحواشي الشهابية " أن الهدى على هذا الاحتمال، إما بمعنى الاهتداء أو على ظاهره وتخصيص المؤمنين لأنهم المنتفعون به وإن كانت هدايتها عامة، وجعل المؤمنين بمعنى الصائرين للإيمان تكلف كحمل هداهم على زيادته، ويحتمل أن يكون قيدا للبشرى فقط ويبقى الهدى على العموم وهو بمعنى الدلالة والإرشاد أي هدى لجميع المكلفين وبشرى للمؤمنين.
* (الذين يقيمون الصلواة ويؤتون الزكواة وهم بالاخرة هم يوقنون) * * (الذين يقيمون الصلواة ويؤتون الزكواة) * صفة مادحة للمؤمنين، وكنى بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة عن عمل الصالحات مطلقا، وخصا لأنهما على ما قيل أما العبادة البدنية والمالية، والظاهر أنه حمل الزكاة على الزكاة المفروضة.
وتعقب بأن السورة مكية والزكاة إنما فرضت بالمدينة، وقيل كان في مكة زكاة مفروضة إلا أنها لم تكن كالزكاة المفروضة بالمدينة فلتحمل في الآية عليها، وقيل: الزكاة هنا بمعنى الطهارة من النقائص وملازمة مكارم الأخلاق وهو خلاف المشهور في الزكاة المقرونة بالصلاة ويبعده تعليق الإيتاء بها، وقوله تعالى: * (وهم بالآخرة يوقنون) * يحتمل أن يكون معطوفا على جملة الصلة، ويحتمل أن يكون في موضع الحال من ضمير الموصول، ويحتمل أن يكون استئنافا جىء به للقصد إلى تأكيد ما وصف المؤمنون به من حيث أن الإيقان بالآخرة يستلزم الخوف المستلزم لتحمل مشاق التكليف فلا بد من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وقد أقيم الضمير فيه مقام اسم الإشارة المفيد لاكتساب الخلافة بالحكم باعتبار السوابق فكأنه قيل: وهؤلاء الذين يؤمنون ويعملون الصالحات من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة هم الموقنون بالآخرة، وسمي الزمخشري هذا الاستئناف اعتراضا وكونه لا يكون إلا بين شيئين يتعلق أحدهما بالآخر كالمبتدأ والخبر غير مسلم عنده.
واختار هذا الاحتمال فقال: إنه الوجه ويدل عليه أنه عقد الكلام جملة ابتدائية وكرر فيها المبتدأ الذي هو * (هم) * حتى صار معناها وما يوقن بالآخرة حق الإيقان إلا هؤلاء الجامعون بين الإيمان والعمل الصالح لأن خوف العاقبة يحملهم على تحمل المشاق انتهى. وأنكر ابن المنير إفادة نحو هذا التركيب الاختصاص وادعى أن تكرار الضمير للتطرية لمكان الفصل بين الضميرين بالجار والمجرور، والحق أنه يفيد ذلك كما صرحوا به