الجملتين اسمية وفعلية وإخبارية وإنشائية لما ذكر أن الصحيح عدم اشتراط تناسب الجملتين المتعاطفتين في ذلك لما سمعت آنفا عن سيبويه، والفاء في قوله تعالى: * (فلما راءاها تهتز) * فصيحة تفصح عن جملة قد حذفت ثقة بظهورها ودلالة على سرعة وقوع مضمونها كأنه قيل: فألقاها فانقلبت حية فلما أبصرها تتحرك بشدة اضطراب، وجملة * (تهتز) * في موضع الحال من مفعول رأى فإنها بصرية كما أشرنا إليه لا علمية كما قيل.
وقوله تعالى: * (كأنها جان) * في موضع حال أخرى منه ألأ هو حال من ضمير * (تهتز) * على طريقة التداخل، والجان الحية الصغيرة السريعة الحركة شبهها سبحانه في شدة حركتها واضطرابها مع عظم جثتها بصغار الحيات السريعة الحركة فلا ينافي هذا قوله تعالى في موضع آخر: * (فإذا هي ثعبان مبين) * (الأعراف: 107).
وقيل: يجوز أن يكون الأخبار عنها بصفات مختلفة باعتبار تنقلها فيها، وقرأ الحسن. والزهري. وعمرو بن عبيد: * (جأن) * بهمزة مفتوحة هربا من التقاء الساكنين وإن كان على حده كما قيل: دأبة وشأبة.
* (ولى مدبرا) * أي انهزم * (ولعم يعقب) * أي ولم يرجع على عقبه من عقب المقاتل إذا كر بعد الفرار قال الشاعر: فما عقبوا إذ قيل هل من معقب * ولا نزلوا يوم الكريهة منزلا وهذا مروى عن مجاهد، وقريب منه قول قتادة: أي لم يلتفت وهو الذي ذكره الراغب، وكان ذلك منه عليه السلام لخوف لحقه، قيل: لمقتضى البشرية فإن الإنسان إذا رأى أمرا هائلا جدا يخاد طبعا ألأ لما أنه ظن أن ذلك لأمر أريد وقوعه به، ويدل على ذلك قوله سبحانه: * (يا موسى لا تخف) * أي من غيري أي مخلوق كان حية أو غيرها ثقة بي واعتمادا على أو لا تخف مطلقا على تنزيل الفعل منزلة اللازم، وهذا إما لمجرد الإيناس دون أرادة حقيقة النهي وإما للنهي عن منشأ الخوف وهو الظن الذي سمعته، وقوله تعالى:
* (إني لا يخاف لدي المرسلون) * تعليل للنهي عن الخوف، وهو على ما قيل يؤيد أن الخوف كان للظن المذكور وأن المراد * (لا تخف) * مطلقا، والمراد من * (لدى) * في حضرة القرب مني وذلك حين الوحي.
والمعنى أن الشأن لا ينبغي للمرسلين أن يخافوا حين الوحي إليهم بل لا يخطر ببالهم الخوف وإن وجد ما يخاف منه لفرط استغراقهم إلى تلقي الأوامر وانجذاب أرواحهم إلى عالم الملكوت، والتقييد بلدى لأن المرسلين في سائر الأحيان أخوف الناس من الله عز وجل فقد قال تعالى: * (إنما يخشى الله من عباده العلماء) * (فاطر: 28) ولا أعلم منهم بالله تعالى شأنه، وقيل: المعنى لا تخف من غيري أو لا تخف مطلقا فإن الذي ينبغي أن يخاف منه أمثالك المرسلون إنما هو سوء العاقبة وأن الشأن لا يكون للمرسلين عندي سوء عاقبة ليخافوا منه.
والمراد بسوء العاقبة ما في الآخرة لا ما في الدنيا لئلا يرد قتل بعض المرسلين عليهم الصلاة والسلام، والمراد بلدي على ما قال الخفاجي: عند لقائي وفي حكمي على ما قال ابن الشيخ، وأيا ما كان يلزم مما ذكر أن المرسلين عليهم السلام لا يخافون سوء العاقبة لأن الله تعالى آمنهم من ذلك فلو خافوا لزم أن لا يكونوا واثقين به عز وجل وهذا هو الصحيح كما في " الحواشي الشهابية " عند الأشعري، وظاهر الآثار يقتضي أنهم عليهم السلام كانوا يخافون ذلك، فقد روى أنه عليه الصلاة والسلام كان يكثر أن يقول: " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك