تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٩ - الصفحة ١٧٢
بال، وصاح خطاف فقال: يقول قدموا خيرا تجدوه، وصاحت رخمة فقال: تقول سبحان ربي الأعلى ملء سمائه وأرضه، وصاح قمري فأخبر أنه يقال: سبحان ربي الأعلى، وقال الحدأ: يقول كل شيء هالك إلا الله تعالى، والقطاة تقول: من سكت سلم، والببغاء يقول: ويل لمن الدنيا همه؛ والديك يقول: اذكروا الله تعالى يا غافلون. والنسر يقول: يا ابن آدم عش ما شئت آخرك الموت. والعقاب يقول: في البعد من الناس أنس. والضفدع يقول: سبحان ربي القدوس. والقنبرة تقول: اللهم العن مبغض محمد وآل محمد، والزرزور يقول: اللهم إني أسألك قوت يوم بيوم يا رزاق. والدراج يقول: الرحمن على العرش استوى انتهى. ونظم الضفدع في سلك المذكورات من الطير ليس في محله، ومع هذا الله تعالى أعلم بصحة هذه الحكاية. وقيل: كانت الطير تكلمه عليه السلام معجزة له نحو ما وقع من الهدهد في القصة الآتية. وقيل: علم عليه السلام ما تقصده الطير في أصواتها في سائر أحوالها فيفهم تسبيحها ووعظها وما تخاطبه به عليه السلام وما يخاطب به بعضها بعضا. وبالجملة علم من منطقها ما علم الإنسان من منطق بني صنفه، ولا يستبعد أن يكون للطير نفوس ناطقة ولغات مخصوصة تؤدي بها مقاصدها كما في نوع الإنسان إلا أن النفوس الإنسانية أقوى وأكمل، ولا يبعد أن تكون متفاوتة تفاوت النفوس الإنسانية الذي قال به من قال.
ويجوز أن يعلم الله تعالى منطقها من شاء من عباده ولا يختص ذلك بالأنبياء عليهم السلام، ويجري ما ذكرناه في سائر الحيوانات. وذهب بعض الناس إلى أن سليمان عليه علم منطقها أيضا إلا أنه نص على الطير لأنها كانت جندا من جنوده يحتاج إليها في التظليل من الشمس وفي البعض في الأمور، ولا يخفى أن الآية لا تدل على ذلك فيحتاج القول به إلى نقل صحيح، وزعم بعضهم أنه عليه السلام علم أيضا منطق النبات فكان يمر على الشجرة فتذكر له منافعها ومضارها. ولم أجد في ذلك خبرا صحيحا. وكثير من الحكماء من يعرف خواص النبات بلونه وهيئته وطعمه وغير ذلك. ولا يحتاج في معرفتها إلى نطقه بلسان القال. والضمير في * (علمنا. وأوتينا) * قيل: له ولأبيه عليهما السلام وهو خلاف الظاهر. والأولى كونه له عليه السلام. ولما كان ملكا مطاعا خاطب رعيته على عادة الملوك لمراعاة قواعد السياسة من التمهيد لما يراد من الرعية من الطاعة والانقياد في الأوامر والنواهي ولم يكن ذلك تعاظما وتكبرا منه عليه السلام، ومراعاة قواعد السياسة للتوصل بها إلى ما فيه رضا الله عز وجل من الأمور المهمة.
وقد أمر نبينا صلى الله عليه وسلم العباس بحبس أبي سفيان حتى تمر عليه الكتائب يوم الفتح لذلك، و * (كل) * في الأصل للإحاطة وترد للتكثير كثيرا نحو قولك: فلان يقصده كل أحد ويعلم كل شيء وهي كناية في ذلك أو مجاز مشهور. وهذا المعنى هو المراد هنا إذا جعلت * (من) * صلة وهو المناسب لمقام التحدث بالنعم، وإن لم تجعل صلة فهي على أصلها فيما قيل. وأنت تعلم أنه لا يتسنى ذلك إلا إذا أريد الكل المجموعي وهو كما ترى.
وفي " البحر " أن قوله تعالى: * (علمنا منطق الطير) * إشارة إلى النبوة. وقوله سبحانه: * (وأوتينا من كل شيء) * إشارة إلى الملك. والجملتان كالشرح للميراث. وعن مقاتل أنه أريد بما أوتيه النبوة. والملك. وتسخير الجن والإنس والشياطين والريح. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما هو ما يهمه عليه السلام من أمر الدنيا والآخرة. وقد يقال: إنه ما يحتاجه الملك من آلات الحرب وغيرها * (إن ه‍اذا) * إشارة إلى ما ذكر من
(١٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 ... » »»