تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٩ - الصفحة ١١٠
المرتفع عن الأرض. وعن عطاء أنه عين الماء. والأكثرون على أنه المكان المرتفع وهو رواية عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، ومنه ريع النبات وهو ارتفاعه بالزيادة والنماء.
وقرأ ابن أبي عبلة * (ريع) * بفتح الراء * (ءاية) * أي علما كما روي عن الحبر رضي الله تعالى عنه، وقيل: قصرا عاليا مشيدا كأنه علم وإليه ذهب النقاش. وغيره واستظهره ابن المنير؛ ويمكن حمل ما روي عن الحبر عليه وحينئذ فقوله تعالى: * (تعبثون) * على معنى تعبثون ببنائها لما أنهم لم يكونوا محتاجين إليها وإنما بنوها للفخر بها. والعبث ما لا فائدة فيه حقيقة أو حكما، وقد ذم رفع البناء لغير غرض شرعي في شريعتنا أيضا، وقيل: إن عبثهم في ذلك من حيث أنهم بنوها ليهتدوا بها في أسفارهم والنجوم تغني عنها. واعترض بأن الحاجة تدعو لذلك لغيم مطبق أو ما يجري مجراه. وأجيب بأن الغيم نادر لا سيما في ديار العرب مع أنه لو احتيج إليها لم يحتج إلى أن تجعل في كل ريع فيكون بناؤها كذلك عبثا.
وقال الفاضل اليمني: إن أماكنها المرتفعة تغني عنها فهي عبث، وقيل: كانوا يبنون ذلك ليشرفوا على المارة والسابلة فيسخروا منهم ويعبثوا بهم: وروي ذلك عن الكلبي. والضحاك، وعن مجاهد. وابن جبير أن الآية برج الحمام كانوا يبنون البروج في كل ريع ليلعبوا بالحمام ويلهوا به، وقيل: بيت العشار يبنونه بكل رأس طريق فيجلسون فيه ليعشروا مال من يمر بهم. وله نظير في بلادنا اليوم، ولا مستعان إلا بالله العلي العظيم.
والجملة في موضع الحال وهي حال مقدرة على بعض الأقوال.
* (وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون) * * (وتتخذون) * أي تعملون * (مصانع) * أي مآخذ للماء ومجاري تحت الأرض كما روي عن قتادة، وفي رواية أخرى عنه أنها برك الماء. وعن مجاهد أنها القصور المشيدة، وقيل: الحصون المحكمة. وأنشدوا قول لبيد: وتبقى جبال بعدنا ومصانع وليس بنص في المدعى * (لعلكم تخلدون) * أي راجين أن تخلدوا في الدنيا أو عاملين عمل من يرجو الخلود فيها فلعل على بابها من الرجاء، وقيل: هي للتعليل وفي قراءة عبد الله * (كي تخلدون) *.
وقال ابن زيد: هي للاستفهام على سبيل التوبيخ والهزء بهم أي هل أنتم تخلدون، وكون لعل للاستفهام مذهب كوفي، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: المعنى كأنكم خالدون وقرىء بذلك كما روي عن قتادة، وفي حرف أبي * (كأنكم تخلدون) * وظاهر ما ذكر أن لعل هنا للتشبيه، وحكى ذلك صريحا الواقدي عن البغوي.
وفي البرهان هو معنى غريب لم يذكره النحاة. ووقع في " صحيح البخاري " أن لعل في الآية للتشبيه انتهى.
وقرأ قتادة * (تخلدون) * مبنيا للمفعول مخففاف ويقال: خلد الشيء وأخلده غيره، وقرأ أبي. وعلقمة * (تخلدون) * مبنيا للمفعول مشددا كما قال الشاعر: وهل يعمن إلا سعيد مخلد * قليل هموم ما يبيت بأوجال * (وإذا بطشتم بطشتم جبارين) * * (وإذا بطشتم) * أي أردتم البطش بسوط أو سيف * (بطشتم جبارين) * مسلطين غاشمين بلا رأفة ولا قصد تأديب ولا نظر في العاقبة. وأول الشرط بما ذكر ليصح التسبب وتقييد الجزاء بالحال لا يصححه لأن المطلق ليس سببا للمقيد، وقيل: لا يضر الاتحاد لقصد المبالغة، وقيل: الجزائية باعتبار الإعلام والإخبار وهو كما ترى. ونظير الآية قوله: متى تبعثوها تبعثوها دميمة ودل توبيخه عليه السلام إياهم بما ذكر على استيلاء حب
(١١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 ... » »»