تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٨ - الصفحة ٨٤
كالمشترك بين تلك المعاني فتحمل في كل مقام على ما يناسبه.
وذكر الراغب أنها إذا أريد بها الواحد يصح أن تكون جمعا كني به عن الواحد ويصح أن تكون مفردا والتاء فيها كما في رواية، وفي حواشي العضد للهروي يصح أن يقال للواحد طائفة ويراد نفس طائفة فهي من الطواف بمعنى الدوران.
وفي " شرح البخاري " حمل الشافعي الطائفة في مواضع من القرآن على أوجه مختلفة بحسب المواضع فهي في قوله تعالى: * (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة) * (التوبة: 122) واحد فأكثر واحتج به على قبول خبر الواحد وفي قوله تعالى: * (وليشهد عذابهما طائفة) * (النور: 2) أربعة وفي قوله سبحانه: * (فلتقم طائفة منهم معك) * (النساء: 102) ثلاثة، وفرقوا في هذه المواضع بحسب القرائن، أما في الأولى فلأن الانذار يحصل به، وأما في الثانية فلأن التشنيع فيه أشد، وأما في الثالثة فلضمير الجمع بعد قوله تعالى: * (وليأخذوا أسلحتهم) * (النساء: 102) وأقله ثلاثة، وكونها مشتقة من الطواف لا ينافيه لأنه يكون بمعنى الدوران أو هو الأصل وقد لا ينظر إليه بعد الغلبة فلذا قيل: إن تاءها للنقل انتهى ولا يخلو عن بحث.
والحق أن المراد بالطائفة هنا جماعة يحصل بهم التشهير، والزجر وتختلف قلة وكثرة بحسب اختلاف الأماكن والأشخاص فرب شخص يحصل تشهيره وزجره بثلاثة وآخر لا يحصل تشهيره وزجره بعشرة، وللقائل بالأربعة هنا وجه وجيه كما لا يخفى.
* (الزانى لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحهآ إلا زان أو مشرك وحرم ذالك على المؤمنين) *.
* (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة) * تقبيح لأمر الزاني أشد تقبيح ببيان أنه بعد أن رضي بالزنا لا يليق به أن ينكح العفيفة المؤمنة فبينهما كما بين سهيل والثريا فترى هذه شامية إذا ما استقلت وترى ذاك إذا ما استقل يمانيا وإنما يليق به أن ينكح زانية هي في ذلك طبقة ليوافق - كما قيل - شن طبقه أو مشركة هي أسوأ منه حالا وأقبح أفعالا * (فلا ينكح) * خبر مراد منه لا يليق به أن ينكح كما تقول: السلطان لا يكذب أي لا يليق به أن يكذب نزل فيه عدم لياقة الفعل منزلة عدمه وهو كثير في الكلام، ثم المراد اللياقة وعدم اللياقة من حيث الزنا فيكون فيه من تقبيح الزنا ما فيه.
ولا يشكل صحة نكاح الزاني المسلم الزانية المسلمة وكذا العفيفة المسلمة وعدم صحة نكاحه المشركة المذكورة في الآية إذا فسرت بالوثنية بالإجماع لأن ذلك ليس من اللياقة وعدم اللياقة من حيث الزنا بل من حيثية أخرى يعلمها الشارع كما لا يخفى، وعلى هذا الطرز قوله تعالى: * (والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك) * أي الزانية بعد أن رضيت بالزنا فولغ فيها كلب شهوة الزاني لا يليق أن ينكحها من حيث أنها كذلك إلا من هو مثلها وهو الزاني أو من هو أسوأ حالا منها وهو المشرك، وأما المسلم العفيف فأسد غيرته يأبى ورود جفرتها وتجتنب الأسود ورود ماء * إذا كان الكلاب يلغن فيه ولا يشكل على هذا صحة نكاحه إياها وعدم صحة نكاح المشرك سواء فسر بالوثني أو بالكتابي ليحتاج إلى الجواب وهو ظاهر؛ والإشارة في قوله سبحانه: * (وحرم ذلك على المؤمنين) * يحتمل أن تكون للزنا المفهوم مما تقدم والتحريم عليه على ظاهره وكذا المؤمنين، ولعل هذه الجملة وما قبلها متضمنة لتعليل ما تقدم من الأمر والنهي ولذا لم يعطف قوله سبحانه: * (الزاني لا ينكح) * الخ عليه كما عطف قوله عز وجل الآتي * (والذين يرمون
(٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 ... » »»