وفي البرهان حكى البغوي عن الواقدي أن جيمع ما في القرآن من لعل فإنها للتعليل إلا قوله تعالى: * (لعلكم تخلدون) * (الشعراء: 129) فإنها للتشبيه.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق السدي عن أبي مالك نحوه، ثم إن طلب الرجعة ليس من خواص الكفار. فعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن مانع الزكاة وتارك الحج المستطيع يسألان الرجعة عند الموت. وأخرج الديلمي عن جابر بن عبد الله قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حضر الإنسان الوفاة يجمع له كل شيء يمنعه عن الحق فيجعل بين عينيه فعند ذلك يقول: * (رب ارجعوني * لعلي أعمل صالحا فيما تركت) * " وهذا الخبر يؤيد أن الراد مما تركت المال ونحوه * (كلا) * ردع عن طلب الرجعة واستبعاد لها.
* (إنها) * أي قوله * (رب ارجعوني) * الخ * (كلمة هو قائلها) * لا محالة لا يخليها ولا يسكت عنها لاستيلاء الحسرة وتسلط الندم عليه فتقديم المسند إليه للتقوى أو هو قائلها وحده فالتقديم للاختصاص، ومعنى ذلك أنه لا يجاب إليها ولا تسمع منه بتنزيل الإجابة والاعتداد منزلة قولها حتى كأن المعتد بها شريك لقائلها. ومثل هذا متداول متداول فيقول من كلمة صاحبه بما لا جدوى تحته: اشتغل أنت وحدك بهذه الكلمة فتكلم واستمع يعني أنها مما لا تسمع منك ولا تستحق الجواب. والكلمة هنا بمعنى الكلام كما في قولهم: كلمة الشهادة وهي في هذا المعنى مجاز عند النحاة. وأما عند اللغويين فقيل حقيقة، وقيل مجاز مشهور.
والظاهر أن * (كلا) * وما بعدها من كلامه تعالى، وأبعد جدا من زعم أن * (كلا) * من قول من عاين الموت وأنه يقول ذلك لنفسه على سبيل التحسر والندم * (ومن ورائهم) * أي أمامهم وقد مر تحقيقه، والضمير لأحدهم والجمع باعتبار المعنى لأنه في حكم كلهم كما أن الأفراد في الضمائر الأول باعتبار اللفظ * (برزخ) * حاجز بينهم وبين الرجعة * (إلى يوم يبعثون) * من قبورهم وهو يوم القيامة، وهذا تعليق لرجعتهم إلى الدنيا بالمحال كتعليق دخولهم الجنة بقولهم سبحانه: * (حتى يلج الجمل في سم الخياط) * (الأعراف: 40) وعن ابن زيد أن المراد من ورائهم حاجز بين الموت والبعث في القيامة من القبور باق إلى يوم يبعثون، وقيل: حاجز بينهم وبين الجزاء التام باق إلى يوم القيامة فإذا جاء ذلك اليوم جوزوا على أتم وجه.
* (فإذا نفخ فى الصور فلا أنساببينهم يومئذ ولا يتسآءلون) *.
* (فإذا نفخ في الصور) * لقيام الساعة وهي النفخة الثانية التي يقع عندها البعث والنشور، وقيل: المعنى فإذا نفخ في الأجساد أرواحها على أن الصور جمع صورة على نحو بسر وبسرة لا القرن، وأيد بقراءة ابن عباس. والحسن. وابن عياض * (في الصور) * بضم الصاد وفتح الواو، وقراءة ابن رزين * (في الصور) * بكسر الصاد وفتح الواو فإن المذكور في هاتين القراءتين جمع صورة لا بمعنى القرن قطعا والأصل توافق معاني القراءات، ولا تنافي بين النفخ في الصور بمعنى القرن الذي جاء في " الخبر " ودلت عليه آيات أخر وبين النفخ في الصور جمع صورة فقد جاء أن هذا النفخ عند ذاك * (فلا أنساب بينهم يومئذ) * أي يوم إذا نفخ في الصور كما هي بينهم اليوم، والمراد أنها لا تنفعهم شيئاف فهي منزلة منزلة العدم لعظم الهول واشتغال كل بنفسه بحيث يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه.
وقد أخرج ابن المبارك في الزهد. وابن جرير. وابن المنذر. وابن أبي حاتم. وأبو نعيم في " الحلية ". وابن عساكر عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: إذا كان يوم القيامة جمع الله تعالى الأولى والآخرية