تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٨ - الصفحة ٥٣
جاء به عليه الصلاة والسلام لا تجديهم نفعا فالقول بأنه بعيد عن مقتضى المقام ليس في محله. وقيل: المعنى عليه لو فعل الله تعالى ما يوافق أهواءهم لاختل نظام العالم لما أن آراءهم متناقضة. وفيه إشارة إلى فساد عقولهم وأنهم لذلك كرهوا ما كرهوه من الحق الذي جاء به عليه الصلاة والسلام وهو كما ترى.
وقرأ ابن وثاب * (ولو اتبع) * بضم الواو * (بل أتيناهم بذكرهم) * انتقال من تشنيعهم بكراهة الحق إلى تشنيعهم بالأعراض عما جبل عليه كل نفس من الرغبة فيما فيه خيرها والمراد بالذكر القرآن الذي هو فخرهم وشرفهم حسبما ينطق به قوله تعالى: * (وانه لذكر لك ولقومك) * (الزخرف: 44) أي بل أتيناهم بفخرهم وشرفهم الذي كان يجب عليهم أن يقبلوا عليه أكمل اقبال ويقبلوا ما فيه أكمل قبول * (فهم) * بما فعلوا من النكوس * (عن ذكرهم) * أي فخرهم وشرفهم خاصة * (معرضون) * لا عن غير ذلك مما لا يوجب الإقبال عليه والاعتناء به. وفي وضع الظاهر موضع الضمير مزيد تشنيع لهم وتقريع. والفاء لترتيب ما بعدها من إعراضهم عن ذكرهم على ما قبلها من الاتيان بذكرهم، ومن فسر * (الحق) * في قوله تعالى: * (بل جاءهم بالحق) * بالقرآن الكريم قال هنا: في إسناد الاتيان بالذكر إلى نون العظمة بعد إسناده إلى ضميره عليه الصلاة والسلام تنويه بشأن النبي صلى الله عليه وسلم وتنبيه على كونه عليه الصلاة والسلام بمثابة عظيمة منه عز وجل. وفي إيراد القرآن الكريم عند نسبته إليه صلى الله عليه وسلم بعنوان الحقية وعند نسبته إليه تعالى بعنوان الذكر من النكتة السرية والحكمة العبقرية ما لا يخفى فإن التصريح بحقيته المستلزمة لحقية من جاء به هو الذي يقتضيه مقام حكاية ما قاله المبطون في شأنه وأما التشريف فإنما يليق به تعالى لا سيما رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد المشرفين. وقيل: المراد بذكرهم ما تمنوه بقولهم: " لو أن عندنا ذكرا من الأولين لكنا عباد الله المخلصين " فكأنه قيل: بل أتيناهم الكاتب الذي تمنوه. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن المراد بالذكر الوعظ.
وأيد بقراءة عيسى * (بذكراهم) * بألف التأنيث، ورجح القولان الأولان بأن التشنيع عليهما أشد فإن الاعراض عن وعظهم ليس بمثابة إعراضهم عن شرفهم وفخرهم أو عن كتابهم الذي تمنوه في السناعة والقباحة.
وقيل: إن الوعظ فيه بيان ما يصلح به حال من يوعظ فالتشنيع بالاعتراض عنه لا يقصر عن التشنيع بالاعراض عن أحد ذينك الأمرين ولا يخفى ما فيه من المكابرة.
وقرأ ابن أبي إسحق. وعيسى بن عمر. ويونس عن أبي عمرو * (بل أتيتهم) * بتاء المتكلم، وابن أبي إسحق. وعيسى أيضا. وأبو حيوة. والجحدري. وابن قطيب. وأبو رجاء * (بل أتيتهم) * بتاء الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم وأبو عمرو في رواية * (ءاتيناهم) * بالمد ولا حاجة على هذه القراءة إلى ارتكاب مجاز أو دعوى حذف مضاف كما في قراءة الجمهور على تقدير جعل الباء للمصاحبة. وقرأ قتادة * (نذكرهم) * بالنون مضارع ذكر.
* (أم تسألهم خرجا فخراج ربك خير وهو خير الرازقين) *.
* (أم تسئلهم) * متعلق بقوله تعالى: * (أم يقولون جنة) * فهو انتقال إلى توبيخ آخر، وغير للخطاب لمناسبته ما بعده، وكان المراد أم يزعمون أنك تسألهم على أداء الرسالة * (خرجا) * أي جعلا فلأجل ذلك لا يؤمنون بك، وقوله تعالى: * (فخراج ربك خير) * أي رزقه في الدنيا وثوابه في الآخرة تعليل لنفى السؤال المستفاد من الإنكار أي لا تسألهم ذلك فإن ما رزقك الله تعالى في الدنيا والعقبى خير من ذلك لسعته ودوامه وعدم تحمل منة الرجال فيه، وفي التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره عليه الصلاة والسلام من تعليل الحكم وتشريفه صلى الله عليه وسلم ما لا يخفى.
و * (الخرج) * بإزاء الدخل يقال لكل ما تخرجه إلى غيرك والخراج غالب في الضريبة على الأرض ففيه إشعار
(٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 ... » »»