الثاني الإشارة بقوله سبحانه: * (ولعلا بعضهم على بعض) * أي إما مطلقا وإما من وجه فيكون العالي هو الإله أو لا يكون ثم إله أصلا وهذا لازم على تقديري التخالف والاتحاد والاختصاص وغيره فهو تكميل للبرهان من وجه وبرهان ثان من آخر، فقد تبين ولا كفرق الفجر أنه تعالى هو الواحد الأحد جعل وجده زائدا على الماهية أولا فاعلا بالاختيار أولا، وليس برهان الوحدة مبنيا على أنه تعالى فاعل بالاختيار كما ظنه الإمام الرازي قدس سره انتهى، وهو كلام يلوم عليه مخايل التحقيق، وربما يورد عليه بعض مناقشات تندفع بالتأمل الصادق. وما أشرنا إليه من انفهام قضية شرطية من الآية ظاهر جدا على ما ذهب إليه الفراء فقد قال: إن إذا حيث جاءت بعدها اللام فقبلها لو مقدرة إن لم تكن ظاهرة نحو * (إذا لذهب كل إله بما خلق) * فكأنه قيل: لو كان معه ءالهة كما تزعمون لذهب كل الخ.
وقال أبو حيان: إذا حرف جواب وجزاء ويقدر قسم يكون * (لذهب) * جوابا له، والتقدير والله إذا أي إن كان معه من إله لذهب وهو في معنى ليذهبن كقوله تعالى: * (ولئن أرسلنا ريحا فراوه مصفرا لظلوا) * (الروم: 51) أي ليظلن لأن إذا تقتضي الاستقبال وهو كما ترى، وقد يقال: إن إذا هذه ليست الكلمة المعهودة وإنما هي إذا الشرطية حذفت جملتها التي تضاف إليها وعوض عنها التنوين كما في يومئذ والأصل إذا كان معه من إله لذهب الخ، والتعبير بإذا من قبيل مجاراة الخصم، وقيل: * (كل إله) * لما أن النفي عام يفيد استغراق الجنس و * (ما) * في * (بما خلق) * موصولة حذف عائدها كما أشرنا إليه.
وجوز أن تكون مصدرية ويحتاج إلى نوع تكلف لا يخفى. ولم يستدل على انتفاء اتخاذ الولد إما لغاية ظهور فساده أو للاكتفاء بالدليل الذي أقيم على انتفاء أن يكون معه سبحانه إله بناء على ما قيل إن ابن الإله يلزم أن يكون إلها إذ الولد يكون من جنس الوالد وجوهره وفيه بحث * (سبحان الله عما يصفون) * مبالغة في تنزيهه تعالى عن الولد والشريك، وما موصولة وجوز أن تكون مصدرية. وقرىء * (تصفون) * بتاء الخطاب.
* (عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون) *.
* (عالم الغيب والشهادة) * أي كل غيب وشهادة، وجر * (عالم) * على أنه بدل من الاسم الجليل أو صفة له لأنه أريد به الثبوت والاستمرار فيتعرف بالإضافة.
وقر أجماعة من السبعة. وغيرهم برفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو عالم، والجر أجود عند الأخفش والرفع أبرع عند ابن عطية، وأيا ما كان فهو على ما قيل إشارة إلى دليل آخر على انتفاء الشريك بناء على توافق المسلمين والمشركين في تفرده تعالى بذلك. وفي " الكشف " أن في قوله سبحانه: * (عالم) * الخ إشارة إلى برهان آخر راجع إلى إثبات العلو أو لزوم الجهل الذي هو نقص وضد العلو لأن المتعددين لا سبيل لهما إلى أن يعلم كل واحد حقيقة الآخر كعلم ذلك الآخر بنفسه بالضرورة وهو نوع جهل وقصور، ثم علمه به يكون انفعاليا تابعا لوجود المعلوم فيكون في إحدى صفات الكمال - أعني العلم - مفتقرا وهو يؤذن بالنقصان والإمكان * (فتعالى) * الله * (عما يشركون) * تفريع على كونه تعالى عالما بذلك كالنتيجة لما أشار إليه من الدليل.
وقال ابن عطية: الفاء عاطفة كأنه قيل علم الغيب والشهادة فتعالى كما تقول زيد شجاع فعظمت منزلته على معنى شجع فعظمت، ويحتمل أن يكون المعنى فأقول تعالى الخ على أنه إخبار مستأنف.
* (قل رب إما ترينى ما يوعدون) *.
* (قل رب اما ترين) *