في إرادته حقيقة العبادة عدم اعتقاده ذلك لأنه على ما تدل عليه بعض الآثار كثيرا ما يظهر خلاف ما يبطن حتى أنها تدخل على أن دعواه الإلهية من ذلك، نعم الأولى تفسير * (عابدون) * بخادمون وهو مما يصح إسناده إلى فرعون وملئه، وكأنهم قصدوا بذلك التعريض بشأن الرسولين عليهما السلام وحط رتبتهما العلية عن منصب الرسالة من وجه آخر غير البشرية، واللام في * (لنا) * متعلقة بعابدون قدمت عليه رعاية للفواصل، وقيل للحصر أي لنا عابدون لا لهما، والجملة حال من فاعل * (نؤمن) * مؤكدة لإنكار الايمان لهما بناء على زعمهم الفاسد المؤسس على قياس الرياسة الدينية على الرياسة الدنيوية الدائرة على التقدم في نيل الحظوظ الدنيوية من المال والجاه كدأب قريش حيث قالوا: * (لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم) * (الزخرف: 31) وجهلهم بأن مناط الاصطفاء للرسالة هو السبق في حيازة النعوت العلية والملكات السنية التي يتفضل الله تعالى بها على من يشاء من خلقه.
* (فكذبوهما فكانوا من المهلكين) *.
* (فكذبوهما) * فاستمروا على تكذيبهما وأصروا واستكبروا استكبارا * (فكانوا من المهلكين) * بالغرق في بحر القلزم، والتعقيب باعتبار آخر زمان التكذيب الذي استمروا عليه، وقيل: تعقيب التكذيب بذلك بناء على أن المراد محكوم عليهم بالإهلاك، وقيل: الفاء لمحض السببية أي فكانوا بسبب تكذيب الرسولين من المهلكين.
* (ولقد ءاتينا موسى الكتابلعلهم يهتدون) *.
* (ولقد ءاتينا) * بعد إهلاكهم وإنجاء بني إسرائيل من مملكتهم * (موسى الكتاب) * أي التوراة، وحيث كان إيتاؤه عليه السلام إياها لإرشاد قومه إلى الحق كما هو شأن الكتب الإلهية جعلوا كأنهم أوتوها فقيل: * (لعلهم يهتدون) * أي إلى طريق الحق علما وعملا لما تضمنته من الاعتقاديات والعمليات.
وجوز أن يكون الكلام على تقدير مضاف أي آتينا قوم موسى وضمير * (لعلهم) * عائد عليه، وقيل أريد بموسى عليه السلام قومه كما يقال تميم وثقيف للقبيلة. وتعقب بأن المعروف في مثله إطلاق أبي القبيلة عليهم وإطلاق موسى عليه السلام على قومه ليس من هذا القبيل وإن كان لا مانع منه، ولم يجعل ضمير * (لعلهم) * لفرعون وملئه لظهور أن التوراة إنما نزلت بعد إغراقهم لبني إسرائيل وقد يستشهد على ذلك بقوله تعلاى: * (ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى) * (القصص: 43) بناء على أن المراد بالقرون الأولى ما يعم فرعون وقومه ومن قبلهم من المهلكين كقوم نوح وهود لا ما يخص من قبلهم من الأمم المهلكين لأن تقييد الأخبار بإتيانه عليه السلام الكتاب بأنه بعد إهلاك من تقدم من الأمم معلوم فلو لم يدخل فرعون وقومه لم يكن فيه فائدة كما قيل، ولم يذكر هرون مع موسى عليهما السلام اقتصارا على من هو كالأصل في الايتاء، وقيل لأن الكتاب نزل بالطور وهرون عليه السلام كان غائبا مع بني إسرائيل.
* (وجعلنا ابن مريم وأمه ءاية وءاويناهمآ إلى ربوة ذات قرار ومعين) *.
* (وجعلنا ابن مريم وأمه ءاية) * أية آية دالة على عظيم قدرتنا بولادته منها من غير مسيس بشر فالآية أمر واحد مشترك بينهما فلذا أفردت، وجوز أن يكون الكلام على تقدير مضاف أي جعلنا حال ابن مريم وأمه آية أو جعلنا ابن مريم وأمه ذوي آية وأن يكون على حذف آية من الأول لدلالة الثاني عليه أو بالعكس أي جعلنا ابن مريم آية لما ظهر فيه عليه السلام من الخوارق كتكلمه في المهد بما تكلم صغيرا وإحيائه الموتى وإبرائه الأكمه والأبرص وغير ذلك كبيرا وجعلنا أمه آية بأن ولدت من غير مسيس، وقال الحسن: إنها عليها