عز وجل وقوة الجاش والإقدام.
* (إلى فرعون وملئه فاستكبروا وكانوا قوما عالين) *.
* (إلى فرعون وملائه) * أي إشراف قومه خصوا بالذكر لأن إرسال بني إسرائيل وهو مما أرسلا عليهما السلام لأجله منوط بآرائهم، ويمكن أن يراد بالملأ قومه فقد جاء استعماله بمعنى الجماعة مطلقا * (فاستكبروا) * عن الانقياد لما أمروا به ودعوا إليه من الايمان وإرسال بني إسرائيل وترك تعذيبهم، وليست الدعوة مختصة بإرسال بني إسرائيل وإطلاقهم من الأسر ففي سورة (النازعات: 17 - 19) * (اذهب إلى فرعون إنه طغى * فقل هل لك إلى أن تزكى * وأهديك إلى ربك فتخشى) * وأيضا فيما نحن فهي ما يدل على عدم الاختصاص.
* (وكانوا قوما عالين) * متكبرين أو متطاولين بالبغي والظلم؛ والمراد كانوا قوما عادتهم العلو.
* (فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون) *.
* (فقالوا) * عطف على * (استكبروا) * وما بينهما اعتراض مقرر للاستكبار، والمراد فقالوا فيما بينهم بطريق المناصحة * (أنؤمن لبشرين مثلنا) * ثنى البشر لأنه يطلق على الواحد كقوله تعالى: * (بشرا سويا) * (مريم: 17) ويطلق على الجمع كما في قوله تعالى: * (فاما ترين من البشر أحدا) * (مريم: 26) ولم يثن مثل نظرا إلى كونه في حكم المصدر، ولو أفرد البشر لصح لأنه اسم جنس يطلق على الواحد وغيره، وكذا لو ثنى المثل فإنه جاء مثنى في قوله تعالى: * (يرونهم مثليهم) * (آل عمران: 13) ومجموعا في قوله سبحانه: * (ثم لا يكونوا أمثالكم) * (محمد: 38) نظرا إلى أنه في تأويل الوصف إلا أن المرجح لتثنية الأول وإفراد الثاني الإشارة بالأول إلى قلتهما وانفراهدما عن قومهما مع كثرة الملأ واجتماعهم وبالثاني إلى شدة تماثلهم حتى كأنهم مع البشرين شيء واحد وهوأدل على ما عنوه.
وهذه القصص كما ترى تدل على أن مدار شبه المنكرين للنبوة قياس حال الأنبياء عليهم السلام على أحوالهم بناء على جهلهم بتفاصيل شؤن الحقيقة البشرية وتباين طبقات أفرادها في مراقي الكمال ومهاوي النقصان بحيث يكون بعضها في أعلى عليين وهم المختصون بالنفوس الزكية المأيدون بالقوة القدسية المتعلقون لصفاء جواهرهم بكلا العالمين اللطيف والكثيف فيتلقون من جانب ويلقون إلى جانب ولا يعوقهم التعلق بمصالح الخلق عن التبتل إلى حضرة الحق وبعضها في أسفل سافلين وهم كأولئك الجهلة الذين هم كالأنعام بل هم أضل سبيلا.
ومن العجب أنهم لم يرضوا للنبوة ببشر، وقد رضى أكثرهم للإلهية بحجر فقاتلهم الله تعالى ما أجهلهم، والهمزة للإنكار أي لا نؤمن لبشرين مثلنا * (وقومهما) * يعنون سائر بني إسرائيل * (لنا عابدون) * خادمون منقادون لنا كالعبيد ففي * (عابدون) * استعارة تبعية نظرا إلى متعارف اللغة.
ونقل الخفاجي عن الراغب أنه صرح بأن العابد بمعنى الخادم حقيقة، وقال أبو عبيدة: العرب تسمى كل من دان للملك عابدا، وجوز الزمخشري الحمل على حقيقة العبادة فإن فرعون كان يدعي الإلهية فادعى للناس العبادة على الحقيقة.
واعترض بأن الظاهر أن هذا القول من الملأ وهو يأبى ذلك، وكونهم قالواه على لسان فرعون كما يقول خواص ملك: نحن ذوو رعية كثيرة وملك طويل عريض ومرادهم إن ملكنا ذو رعية الخ خلاف الظاهر، وقيل عليه أيضا على تقدير أن يكون القائل فرعون: لا يلزم من ادعائه الإلهية عبادة بني إسرائيل له أو كونه يعتقد أو يدعي عبادتهم على الحقيقة له؛ وأنت تعلم أنه متى سلم أن القائل فرعون وأنه يدعي الإلهية لا يقدح