تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٨ - الصفحة ٤٢
أنه قرىء * (زبرا) * بضم الزاي وفتح الباء فإنه مشهور ثابت في جمع زبرة بمعنى قطعة وهو حال من * (أمرهم) * أو من واو * (تقطعوا) * أو مفعول ثان له فإنه مضمن معنى جعلوا، وقيل: هو جمع زبور بمعنى كتاب من زبرت بمعنى كتبت وهو مفعول ثان لتقطعوا المضمن معنى الجعل أي قطعوا أمر دينهم جاعلين له كتبا.
وجوز أن يكون حالا من * (أمرهم) * على اعتبار تقطعوا لازما أي تفرقوا في أمرهم حال كونه مثل الكتب السماوية عندهم. وقيل: إنها حال مقدرة أو منصوب بنزع الخافض أي في كتب، وتفسير * (زبرا) * بكتب رواه جماعة عن قتادة كما في " الدر المنثور "، ولا يخفى خفاء المعنى عليه ولا يكاد يستقيم إلا بتأويل فتدبر.
وقرىء * (زبرا) * بإسكان الباء للتخفيف كرسل في رسل، وجاء * (فتقطعوا) * هنا بالفاء إيذانا بأن ذلك اعتقب الأمر وفيه مبالغة في الذم كما أشرنا إليه، وجاء في سورة الأنبياء بالواو فاحتمل معنى الفاء واحتمل تأخر تقطعهم عن الأمر. وجاء هنا * (وأنا ربكم فاتقون) * وهو أبلغ في التخويف والتحذير مما جاء هناك من قوله تعالى: هناك: * (وأنا ربكم فاعبدون) * لأن هذه جاءت عقيب إهلاك طوائف كثيرين قوم نوح والأمم الذين من بعدهم وفي تلك السورة وإن تقدمت أيضا قصة نوح وما قبلها فإنه جاء بعدها ما يدل على الإحسان واللطف التام في قصة أيوب. وزكريا. ومريم فناسب الأمر بالعبادة لمن هذه صفته عز وجل قاله أبو حيان، وما ذكره أولا غير واف بالمقصود، وما ذكره ثانيا قيل عليه: إنه مبني على أن الآية تذييل للقصص السابقة أو لقصة عيسى عليه السلام لا ابتداء كلام فإنه حينئذ لا يفيد ذلك إلا أن يراد أنه وقع في الحكاية لهذه المناسبة فتأمل.
* (كل حزب) * من أولئك المتحزبين * (بما لديهم) * من الأمر الذي اختاروه * (فرحون) * مسرورون منشرحو الصدر، والمراد أنهم معجبون به معتقدون أنه الحق، وفي هذا من ذم أولئك المتحزبين ما فيه.
* (فذرهم فى غمرتهم حتى حين) *.
* (فذرهم في غمرتهم) * خطاب له صلى الله عليه وسلم في شأن قريش الذين تقطعوا في أمر الدين الحق، والغمرة الماء الذي يغمر القامة وأصلها من الستر والمراد بها الجهالة بجامع الغلبة والاستهلاك، وكأنه لما ذكر سبحانه في ضمن ما كان من أمم الأنبياء عليهم السلام توزعهم واقتسامهم ما كان يجب اجتماعه واتفاق الكلمة عليه من الدين وفرحهم بفعلهم الباطل ومعتقدهم العاطف قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: فإذ ذاك دعهم في جهلهم هذا الذي لا جهل فوقه تخلية وخذلانا ودلالة على الياس من أن ينجع القول فيهم وضمن التسلية في ذكر الغاية أعني قوله سبحانه: * (حتى حين) * فإن المراد بذلك حين قتلهم وهو يوم بدر على ما روي عن مقاتل أو موتهم على الكفر الموجب للعذاب أو عذابهم، وفي التنكير والإبهام ما لا يخفى من التهويل.
وجوز أن يقال: شبه حال هؤلاء مع ما هم عليه من محاولة الباطل والانغماس فيه بحال من يدخل في الماء الغامر للعب والجامع تضييع الوقت بعد الكدح في العمل، والكلام حينئذ على منوال سابقه أعني قوله تعالى: * (كل حزب بما لديهم فرحون) * لما جعلوا فرحين غرورا جعلوا لاعبين أيضا والأول أظهر؛ وقد يجعل الكلام عليه أيضا استعارة تمثيلية بل هو أولى عند البلغاء كما لا يخفى.
وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه. وأبو حيوة. والسلمي * (في غمراتهم) * على الجمع لأن لكل واحد غمرة.
* (أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين) *.
* (أيحسبون أنما نمدهم به) * أي الذي نعطيهم إياه ونجعله مددا لهم، فما موصولة اسم أن ولا يضر كونها
(٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 ... » »»