لغة كنانة، قال في " البحر ": وينبغي عند من ينون أن تكون الألف فيه للإلحاق كما في أرطى وعلقى لكن ألف الإلحاق في المصادر نادرة، وقيل: إنها لا توجد فيها.
وقال الفراء: يقال تتر في الرفع وتتر في الجر وتترا في النصب فهو مثل صبر ونصر ووزنه فعل لا فعلي ومتى قيل تترى بالألف فألفه بدل التنوين كما في صبرت صبرا عند الوقف. ورد بأنه لم يسمع فيه إجراء الحركات الثلاث على الراء وعلى مدعيه الإثبات. وأيضا كتبه بالياء يأبى ذلك، وما ذكرنا من مصدرية * (تترى) * هو المشهور، وقيل: هو جمع، وقيل: اسم جمع وعلى القولين هو حال أيضا.
وقوله تعالى: * (كل ما جاء أمة رسولها كذبوه) * استئناف مبين لمجيء كل رسول لأمته ولما صدر عنهم عند تبليغ الرسالة، والمراد بالمجيء إما التبليغ وإما حقيقة المجيء للإيذان بأنهم كذبوه في أول الملاقاة، وإضافة الرسول إلى الأمة مع إضافة كلهم فيما سبق إلى نون العظمة لتحقيق أن كل رسول جاء أمته الخاصة به لا أن كلهم جاؤا كل الأمم وللإشعار بكمال شناعة المكذبين وضلالهم حيث كذبوا الرسول المعين لهم، وقيل: أضاف سبحانه الرسول مع الإرسال إليه عز وجل ومع المجيء إلى المرسل إليهم لأن الإرسال الذي هو مبدأ الأمر منه تعالى والمجيء الذي هو منتهاه إليهم * (فأتبعنا بعضهم بعضا) * في الهلاك حسبما تبع بعضهم بعضا في مباشرة سببه وهو تكذيب الرسول * (وجعلناهم أحاديث) * جمع أحدوثه وهو ما يتحدث به تعجبا وتلهيا كأعاجيب جمع أعجوبة وهو ما يتعجب منه أي جعلناهم أحاديث يتحدث بها على سبيل التعجب والتلهي، ولا تقال الأحدوثة عند الأخفش إلا في الشر.
وجوز أن يكون جمع حديث وهو جمع شاذ مخالف للقياس كقطيع وأقاطيع ويسميه الزمخشري اسم جمع، والمراد إنا أهلكناهم ولم يبق إلا خبرهعم * (فبعدا لقوم لا يؤمنون) * اقتصر ههنا على وصفهم بعدم الايمان حسبما اقتصر على حكاية تكذيبهم إجمالا، وأما القرون الأولون فحيث نقل عنهم ما مر من الغلو وتجاوز الحد في الكفر والعدوان وصفوا بالظلم.
* (ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بااياتنا وسلطان مبين) *.
* (ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا) * أي بالآيات المعهودة وهي الآيات التسع وقد تقدم الكلام في تفصيلها وما قيل فيه، و * (هارون) * بدل أو عطف بيان، وتعرض لإخوته لموسى عليهما السلام للإشارة إلى تبعيته له في الإرسال * (وسلطان مبين) * أي حجة واضحة أو مظهرة للحق، والمراد بها عند جمع العصا، وأفرادها بالذكر مع اندراجها في الآيات لتفردها بالمزايا حتى صارت كأنها شيء آخر، وجوز أن يراد بها الآيات والتعاطف من تعاطف المتحدين في الماصدق لتغاير مدلوليهما كعطف الصفة على الصفة مع اتحاد الذات وقد مر نظيره آنفا أو هو من باب قولك: مررت بالرجل والنسمة المباركة حيث جرد من نفس الآيات سلطان مبين وعطف عليه مبالغة، والاتيان به مفردا لأنه مصدر في الأصل أو للاتحاد في المراد، وعن الحسن أن المراد بالآيات التكاليف الدينية وبالسلطان المبين المعجز، وقال أبو حيان: يجوز أن يراد بالآيات نفس المعجزات وبالسلطان المبين كيفية دلالتها لأنها وإن شاركت آيات الأنبياء عليهم السلام في أصل الدلالة على الصدق فقد فارقتها في قوة دلالتها على ذلك وهو كما ترى، ويمكن أن يقال: المراد بالسلطان تسلط موسى عليه السلام في المحاورة والاستدلال على الصانع