تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٨ - الصفحة ٤٨
الله تعالى إذ تضرع بالدعاء كما في " الصحاح ". وفي الأساس جأر الداعي إلى الله تعالى ضج ورفع صوته والمراد به الصراخ إما مطلقا أو باستغاثة. وضميرا الجمع راجعان على ما رجع إليه الضمائر السابقة في * (مترفيهم. ولهم وقلوبهم) * وغيرها وهم كفار أهل مكة لكن بإرادة من بقي منهم بعد أخذ المترفين بالقتل. قال ابن جريج المعذبون قتلى بدر والذين يجأرون أهل مكة لأنهم ناحوا واستغاثوا. وفي إنسان العيون أو قريشا ناحوا على قتلاهم في بدر شهرا وجز نساؤهم شعورهن وكن يأتين بفرس الرجل أو راحلته ويسترنها بالستور وينحن حولها ويخرجن بها إلى الأزقة إلى أن أشير عليهم بترك ذلك خوف الشماتة. وقال الربيع بن أنس: المراد بالجؤار الجزع إذ هو سبب الصراخ وفيه بعد لخفاء قرينة المجاز. وعن الضحاك أن المراد بالعذاب عذاب الجوع وذلك أنه صلى الله عليه وسلم دعا عليهم فقال: اللهم اشدد وطأتك على مضر اللهم اجعلها عليهم سنين مثل سني يوسف فاستجيب له عليه الصلاة والسلام فأصابتهم سنة أكلوا فيها الجيف والجلود والعظام المحرقة والعلهز.
وفي الأخبار ما يدل على أن ذلك كان قبل الهجرة. وفيها أيضا ما يدل على أنه كان قبلها. ووفق البيهقي بأنه لعله كان مرتين. وسيأتي ذلك قريبا إن شاء الله تعالى، وتخصيص المترفين بالذكر لأنه إذا جاع المترف جاع غيره من باب أولى، وقيل: المرادب العذاب عذاب الآخرة، وتخصيص المترفين بما ذكر لغاية ظهور انعكاس حالهم وانتكاس أمرهم وكون ذلك أشق عليهم ولأنهم مع كونهم متمنعين محميين بحماية غيرهم من المنعة والحشم لقوا ما لقوا من الحالة الفظيعة فلأن يلقاها من عداهم من الحماة والخدم أولى وأقدم.
وقال شيخ الإسلام: إن هذا القول هو الحق لأن العذاب الأخروي هو الذي يفاجئون عنده الجؤار فيجابون بالرد والإقناط من النصر وأما عذاب يوم بدر فلم يوجد لهم عنده جؤار حسبما ينبىء عنه قوله تعالى: * (ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون) * (المؤمنون: 76) فإن المراد بهذا العذاب ما جرى عليهم يوم بدر من القتل والأسر حتما وأما عذاب الجوع فإن قريشا وإن تضرعوا فيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن لم يرد عليهم بالإقناط حيث روي أنه عليه الصلاة والسلام دعا بكشفه فكشف عنهم ذلك انتهى، وستعلم إن شاء الله تعالى ما فيه، نعم حمل العذاب على ذلك أوفق بجعل ما في حيز * (حتى) * غاية لما قبلها.
* (لا تج‍اروا اليوم إنكم منا لا تنصرون) *.
* (لا تجئروا اليوم) * على تقدير القول أي قلنا لهم ذلك، والكلام استئناف مسوق لبيان إقناطهم وعدم انتفاعهم بجؤارهم، والمراد باليوم الوقت الحاضر الذي اعتراهم فيه ما اعتراهم، والتقييد بذلك لزيادة إقناطهم والمبالغة في إفادة عدم نفع جؤارهم.
وقال شيخ الإسلام: إن ذلك لتهويل اليوم والإيذان بتفويتهم وقت الجؤار؛ والمراد بالقول على ما قيل: ما كان بلسان الحال كما في قوله: امتلأ الحوض وقال قطني وجوز أن يراد به حقيقة القول وصدوره إما من الله تعالى وإما من الملائكة عليهم السلام، والظاهر على هذا الوجه أن يكون القول في الآخرة وكونه في الدنيا مع عدم أسماعهم إياه لا يخلو عن شيء، وتقديره فعل الأمر مسندا إلى ضميره صلى الله عليه وسلم أي قل لهم من قبلنا لا تجأروا بعيد جدا، ومن الناس من جوز جون القول المقدر جواب * (إذا) * الشرطية وحينئذ يكون * (إذا هم يجأرون) * قيدا للشرط أو بدلا من إذا الأولى، وعلى الأول المعنى أخذنا مترفيهم وقت جؤارهم أو حال مفاجأتهم لجواز أن تكون * (إذا) * ظرفية أو فجائية حينئذ، ولم يجوز جعل النهي المذكور جوابا لخلوه
(٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 ... » »»