تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٨ - الصفحة ٤٠
ابن أبي جبلة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في قوله تعالى: * (يا أيها الرسل) * الخ: ذاك عيسى ابن مريم كان يأكل من غزل أمه، وعن الحسن. ومجاهد. وقتادة. والسدي. والكلبي أنه نداء لرسول الله صلى الله عليه وسلم وخطاب له والجمع للتعظيم واستظهر ذلك النيسابوري، وما وقع في " شرح التلخيص " تبعا للرضى من أن قصد التعظيم بصيغة الجمع في غير ضمير المتكلم لم يقع في الكلام القديم خطأ لكثرته في كلام العرب مطلقا بل في جميع الألسنة وقد صرح به الثعالبي في فقه اللغة، والمراد بالطيبات على ما اختاره شيخ الإسلام وغيره ما يستطاب ويستلذ من مباحات المأكل والفواكه، واستدل له بأن السياق يقتضيه والأمر عليه للإباحة والترفيه وفيه إبطال للرهبانية التي ابتدعتها النصارى، وقيل المراد بالطيبات ما حل والأمر تكليفي، وأيد بتعقيبه بقوله تعالى: * (واعملوا صالحا) * أي عملا صالحا، وقد يؤيد بما أخرجه أحمد في الزهد. وابن أبي حاتم. وابن مردويه. والحاكم وصححه عن أم عبد الله أخت شداد بن أوس رضي الله تعالى عنها أنها بعثت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقدح لبن عند فطره وهو صائم فرد إليها رسولها أنى لك هذا اللبن؟ قالت: من شاة لي فرد إليها رسولها أنى لك الشاة؟ فقالت: اشتريتها من مالي فشرب منه عليه الصلاة والسلام فلما كان من الغد أتته أم عبد الله فقالت: يا رسول الله بعثت إليك بلبن فرددت إلى الرسول فيه فقال صلى الله عليه وسلم لها: " بذلك أمرت الرسل قبلي أن لا تأكل إلا طيبا ولا تعمل إلا صالحا " وكذا بما أخرجه مسلم. والترمذي. وغيرهما عن أبي هريرة قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أيها الناس إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: * (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا) * (المؤمنون: 51) وقال: * (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم) * (البقرة: 172) ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر ومطمعه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذى بالحرام يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب فانى يستجاب لذلك " وتقديم الأمر بأكل الحلال لأن أكل الحلال معين على العمل الصالح.
وجاء في بعض الأخبار أن الله تعالى لا يقبل عبادة من في جوفه لقمة من حرام، وصح أيما لحم نبت من سحت فالنار أولى به. ولعل تقديم الأمر الأول على تقدير حمل الطيب على ما يستلذ من المباحات لأنه أوفق بقوله تعالى: * (وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين) * (المؤمنون: 50) وفي الأمر بعده بالعمل الصالح حث على الشكر.
* (إني با تعملون) * من الأعمال الظالهرة والباطنة * (عليم) * فأجازيكم عليه. وفي " البحر " أن هذا تحذير للرسل عليهم السلام في الظاهر والمراد أتباعهم.
* (وإن ه‍اذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون) *.
* (وإن هذه) * أي الملة والشريعة، وأشير إليها بهذه للإشارة إلى كمال ظهور أمرها في الصحة والسداد وانتظامها بسبب ذلك في سلك الأمور الشماهدة * (أمتكم) * أي ملتكم وشريعتكم والخطاب للرسل عليهم السلام على نحو ما مر؛ وقيل عام لهم ولغيرهم وروى ذلك عن مجاهد، والجملة على ما قال الخفاجي عطف على جملة * (إني بما تعملون عليم) * فالواو من المحكى، وقيل هي من الحكاية وقد عطفت قولا على قول، والتقدير قلنا يا أيها الرسل كلوا الخ وقلنا لهم إن هذه أمتكم ولا يخفى بعده.
وقيل: الواو ليست للعطف والجملة بعدها مستأنفة غير معطوفة على ما قبلها وهو كما ترى، وقوله سبحانه: * (أمة واحدة) * حال مبنية من الخبر والعامل فيها معنى الإشارة أي أشير إليها في حال كونها شريعة متحدة
(٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 ... » »»