تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٨ - الصفحة ٢٤٢
عوجوا لنعم فحيوا دمنة الدار * ماذا تحيون من نؤى وأحجار والمعنى أنهم لا يؤمنون بالساعة فكيف يقتنعون بهذا الجواب وكيف يصدقون بتعجيل مثل ما وعدك في الآخرة، وقيل: إضراب عن الجواب إلى بيان العلة الداعية لهم إلى التكذيب، والمعنى بل كذبوا بالساعة فقصرت أنظارهم على الحظوظ الدنيوية وظنوا أن الكرامة ليست إلا بالمال وجعلوا خلو يدك عنه ذريعة إلى تكذيبك [بم وقوله تعالى:
* (إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا) *.
* (إذا رأتهم) * إلى آخره صفة للسعير والتأنيث باعتبار النار، وقيل لأنه علم لجهنم كما روي عن الحسن. وفيه أنه لو كان كذلك لامتنع دخول أل عليه ولمنع من الصرف للتأنيث والعلمية.
وأجيب بأن دخول أل للمح الصفة وهي تدخل الاعلام لذلك كالحسن. والعباس وبأنه صرف للتناسب ورعاية الفاصلة. أو لتأويله بالمكان وتأنيثه هنا للتفنن، وإسناد الرؤية إليها حقيقة على ما هو الظاهر وكذا نسبة التغيظ والزفير فيما بعد إذ لا امتناع في أن يخلق الله تعالى النار حية مغتاظة زافرة على الكفار فلا حاجة إلى تأويل الظواهر الدالة على أن لها إدراكا كهذه الآية، وقوله تعالى: * (يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد) * (ق: 30) وقوله صلى الله عليه وسلم كما في " صحيح البخاري ": " شكت النار إلى ربها فقالت: رب أكل بعضي بعضا فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف " إلى غير ذلك، وإذا صح ما أخرجه الطبراني. وابن مردويه من طريق مكحول عن أبي أمامة قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من بين عيني جهنم قالوا: يا رسول الله هل لجهنم من عين؟ قال: نعم أم مسعتم الله تعالى يقول: * (إذا رأتهم من مكان بعيد) * فهل تراهم إلا بعينين " كان ما قلناه هو الصحيح. وإسنادها إليها لا إليهم للإيذان بأن التغيظ والزفير منها لهيجان غضبها عليهم عند رؤيتها إياهم * (من مكان بعيد) * هو أقصى ما يمكن أن يرى منه، وروي أنه هنا مسيرة خمسمائة عام. وأخرج آدم بن أبي إياس في تفسيره عن ابن عباس أنه مسيرة مائة عام وحكى ذلك عن السدى. والكلبي. وروي أيضا عن كعب، وقيل: مسيرة سنة وحكاه الطبرسي عن الإمام أبي عبد الله رضي الله تعالى عنه، ونسبه في إرشاد العقل السليم إلى السدى. والكلبي * (سمعوا لها تغيظا) * أي صوت تغيظ ليصح تعلق السماع به. وفي مفردات الراغب الغيظ أشد الغضب والتغيظ هو إظهار الغيظ وقد يكون ذلك مع صوت مسموع كما في هذه الآية، وقيل: أريد بالسماع مطلق الإدراك كأنه قيل: أدركوا لها تغيظا * (وزفيرا) * هو إخراج النفس بعد مدة على ما في القاموس، وقال الراغب: هو ترديد النفس حتى تنتفخ الضلوع منه وشاع استعماله في نس صوت ذلك النس، ولا شبهة في أنه مما يتعلق به السماء ولذا استشكلوا تعلق السماع بالتغيظ دون الزفير فأولوا لذلك بما سمعت، وقال بعضهم: إن ما ذكر من قبيل قوله: ورأيت زوجك قد غدا * متقلدا سيفا ورمحا وهو بتقدير سمعوا لها وأدركوا تغيظا وزفيرا ويعاد كل إلى ما يناسبه. ومن الناس من قال: الكلام خارج مخرج المبالغة بجعل التغيظ مع أنه ليس من المسموعات مسموعا، والتنوين فيه وفي * (زفيرا) * للتفخيم. وقد جاء في الآثار ما يدل على شدة زفيرها أعاذنا الله تعالى منها، ففي خبر أخرجه ابن جرير. وابن أبي حاتم
(٢٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 237 238 239 240 241 242 243 244 245 246 247 ... » »»